أخبار الدارسلايدر

ماذا يعني منع مصطفى الباكوري من السفر؟

الدار / افتتاحية

ماذا يعني منع مصطفى الباكوري من السفر؟ هذا ليس حدثا عابرا يمكن المرور عليه مرور الكرام. فليس من المعتاد أن نسمع بمثل هذا الخبر خصوصا عندما يتعلق الأمر بشخصية سياسي ومسؤول من حجم الباكوري. يكفي أن نذكر هنا بالمواقع والمناصب التي سبق أن تحملها أو يتولى مسؤوليتها إلى اليوم. إدارة صندوق الإيداع والتدبير، رئاسة حزب الأصالة والمعاصرة، إدارة الوكالة المغربية للطاقات المتجددة “مازن”، ثم رئاسة المجلس الجهوي لجهة الدار البيضاء سطات. رجل من رجالات الثقة، الذين مثلوا لفترات طويلة مفتاحا في يد الدولة لتدبير مراحل معينة أو خلق التوازنات داخل هيئة ما. هناك حديث عن ارتباط منعه من السفر بمسؤولياته في تدبير قطاع الطاقات المتجددة والمشاريع المهيكلة الهائلة التي برمجتها.

لكن قراءة السياق الذي يأتي في إطاره هذا المنع، يوحي بأن الأمر جدي، وأنه سيكون له ما بعده. هذا القرار الذي لا يُعرف إلى حد الساعة، إن كانت نتيجة مطالبة قضائية، يأتي بعد تغييرات طالت الجسم القضائي والرقابي في المغرب. ففي الأسبوع الماضي تم تعيين محمد عبد النباوي، رئيسا أول لمحكمة النقض، وبهذه الصفة رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما تم تعيين الحسن الداكي، وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض، وبهذه الصفة رئيسا للنيابة العامة. وفي الأسبوع ذاته تم تعيين زينب العدوي رئيسة للمجلس الأعلى للحسابات.

التفسيرات تتوالى، بعضها يتحدث عن مسؤوليته عن الاختلالات المالية المسجلة في وكالة الطاقات المتجددة “مازن”، وبعضها الآخر أوصل الأمر إلى مستوى التخابر مع جهات أجنبية. وفي ظل غياب الرواية القضائية أو الأمنية الرسمية تستمر التأويلات، لتؤكد أمرا واحدا. وهو أن ربط المسؤولية بالمحاسبة لا يزال مسألة مفاجئة واستثنائية بالنسبة لنا. في كثير من الدول يعتبر إصدار مذكرات قضائية خاصة في حق بعض المسؤولين قرارا روتينيا يتم الإعلان عنه بشكل طبيعي عبر قنوات التواصل الرسمية، لمزيد من الشفافية والوضوح. إذ من الممكن أن تنتهي الحكاية دون أن يتم أخذ كل التفسيرات بعين الاعتبار، ويتضح أنها كانت مجرد تخمينات بعيدة عن الواقع.

صحيح أن المرحلة السياسية التي يعيشها مغرب اليوم المقبل على إطلاق نموذج تنموي جديد، تحتاج إلى تقوية ثقافة المحاسبة والمساءلة في حق المسؤولين، خصوصا أولئك الذين يشرفون على أوراش كبيرة ترصد لها ميزانيات ضخمة، تنتهي دون أن تحدث الأثر المتوقع. وما أكثر النماذج والأمثلة بين قائمة المسؤولين الذين أوكلت لهم مهام من هذا القبيل للنهوض ببرامج تنموية أو اقتصادية أو اجتماعية استثنائية لينتهي الأمر بإحباط وفشل ذريع. في هذا السياق كلنا نتذكر مآل البرنامج الاستعجالي الذي تم إقراره لإنقاذ التعليم. لقد خصصت له ميزانية هائلة بلغت 33 مليار درهم، ثم تم إيقافه في عهد الوزير الراحل محمد الوفا، دون أن يفضي ذلك إلى محاسبة حقيقية للمسؤولين عن إنجازه.

من المؤكد إذا أن إقرار المساءلة والمحاسبة حاجة ملحة في إطار الانتقال نحو دولة المؤسسات والحق والقانون. لكن الشفافية أيضا مسألة جد هامة في سياق هذا الانتقال. هذا يعني أن القرارات القضائية المتخذة في قضايا من هذا القبيل، لا يجب أن يشوبها التعتيم، بل إن تعزيز التواصل في هذا الموضوع يعتبر جزء لا يتجزأ من نشر هذه الثقافة الجديدة، التي تربط بين المسؤولية والمحاسبة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمسؤول من حجم مصطفى الباكوري. فهذا ينطوي على رسائل مؤثرة في مسألة الحرب على الفساد على الرغم من أن الرجل لا يزال تحت قرينة البراءة إلى أن يثبت العكس.

زر الذهاب إلى الأعلى