الرياضة

سلسلة “بصمات فضالية”: الحلقة الثانية مع الأسطورة أحمد فرس

الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي

لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات.. مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين. 

نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.

نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..

الحلقة الثانية: الأسطورة أحمد فرس..  كرة ذهبية وكأس إفريقية

إنه الحاج أحمد فرس اللاعب الأسطورة الذي أدخل كرة القدم المغربية إلى خانة المتوجين إفريقيا، بعد أن حصد أول كرة ذهبية، وانتزع رفقة زملائه الكأس الإفريقية الوحيدة. فرس  الذي تجاوز العقد السابع بثلاث سنوات، لم يحظى بالإنصاف اللازم لا محليا ولا وطنيا ولا إفريقيا.. بل إن تاريخ الأسطورة لم يجد له المكان المناسب في سجل كرة القدم المغربية والإفريقية. وعلى الجهات المعنية بقطاع الرياضة بالمغرب وإفريقيا، أن تتدارك الأمر. وتنتبه إلى روح الأسطورة التي لازالت تنشط بيننا. قبل أن يأتي يوما تندم فيه على ذكراها.. 

سجل حافل لمهاجم خلوق

سجل حافل لمهاجم متواضع خلوق ومحبوب كل عشاق كرة القدم. نجم تصدر لائحة هدافي المنتخب المغربي على مر العصور ب42 هدف. خطف الأضواء منذ انضمامه إلى المنتخب الوطني. حيث أبدع وأمتع في أول ظهور له كلاعب رسمي في منافسات كأس العالم لسنة 1970.  واستمر في جذب الجماهير الوطنية والدولية.

ويكفي أنه كان من أبرز اللاعبين الذي أهدوا للمغرب أول كأس للأمم الإفريقية سنة 1976، إلى جانب لاعبين لامعين أنجبتهم نفس المدينة. ويتعلق الأمر بحسن اعسيلة وابراهيم كلاوة.  وهي الكأس الإفريقية الوحيدة التي يمتلكها أرشيق المنتخب المغربي، والتي انتزعها من قلب ملعب أديس أبابا بدولة اثيوبيا، بعد تعادله في المباراة النهائية أمام منتخب غينيا  بهدف لكل فريق. وكان مسجل الهدف المغربي اللاعب بابا. إذ أجل الحسم في اللقب القاري  إلى حين إجراء تلك المباراة الأخيرة بين المنتخب الوطني ومنتخب غينيا.  فالمغرب كان يحتل الصدارة برصيد 4 نقاط بفارق نقطة واحدة عن غينيا، وطان يكفي المغرب أن يحصل على التعادل للظفر بالكأس الإفريقية. 

كان له الفضل في تأهل المنتخب المغربي لنهائيات كأس العالم بالمكسيك سنة 1970، حيث شارك في أربعة مباريات إقصائية ضد تونس وغانا ونيجيريا والسينغال. ويسجل رفقة زملائه كأول منتخب إفريقي يتأهل للمونديال. كما ساهم في تأهل المنتخب المغربي إلى الدور الثاني من المجموعات في الألعاب الأولمبية لسنة 1972،  حيث شارك في 5 مباريات ضد أمريكا و ماليزيا وألمانيا الغربية في الدور الأول والإتحاد السوفايتي وبولندا في الدور الثاني .وقدم أداء مميزا، وسجل 3 أهداف خلال تلك الدورة.. كما يعتبر هداف المنتخب المغربي على صعيد المنافسات الإفريقية بستة أهداف. وهداف المنتخب المغربي في أولمبياد ميونيخ التي نظمت سنة 1972، بتسجيله ثلاثة أهداف.

فرس مفتاح خزانة ألقاب شباب المحمدية

أسد الأطلس الشامخ، كان مراوغا ذكيا وقناصا للأهداف، حيث تمكن من الفوز بلقب هداف البطولة الاحترافية سنتي 1969 و1973، برصيد 16 هدفا.. ضل وفيا لنادي شباب المحمدية الذي حصد معه عدة ألقاب، لمدة عقدين من الزمن، إلى غاية سنة 1982. حيث أنهى مساره كلاعب بالاعتزال الطوعي. ليعرج إلى عالم التدريب. 

ويرتبط أرشيفه الكروي بألقاب النادي الفضالي (شباب المحمدية)، الذي فاز معه بكأس العرش سنة 1975، وبطولة المغرب سنة 1980. كما خاض المباراة النهائية لكأس العرش لسنة 1979 أمام الوداد البيضاوي. بالإضافة إلى فوزه بكأس المغرب العربي وكأس الصحراء. وكان أول لاعب مغربي يسجل هدفا بالأراضي الصحراوية التي كانت محتلة من قبل من طرف المستعمر الإسباني.

رفض عرض النادي الملكي وغيره حبا في ناديه شباب المحمدية 

إنه اللاعب الوفي لناديه شباب المحمدية، إذ لم يفكر أبدا في الانتقال إلى أية ناد آخر وطني أو عربي أو دولي. رغم ما تلقاه من عروض مغرية ومحفزة طيلة مساره الكروي اللامع. رفض الاحتراف وارتداء أقمصة كبريات الأندية العالمية وفضل قيادة شباب المحمدية، والمنتخب الوطني.

عكس ما يلهث وراءه مجموعة من نجوم كرة القدم بمختلف دول العالم. كان للأسطورة فرس رأيا آخر بخصوص مستقبله الكروي. رفض المال والشهرة والاحتراف والتألق العالمي. وفضل أن يكون وفيا لنادي شباب المحمدية، تقاسم معه (الحلوة والمرة )،  وفضل مجاورة  زملائه وجمهور مسقط رأسه المحمدية. فقد رفض عرض أكبر نادي اسباني.  ويتعلق الأمر بالنادي الملكي ريال مدريد، الذي لم يكتفي بطلب جلبه عبر الوسطاء الرياضيين. بل إن  رئيس النادي حينها المسمى (بيرنابيو)، قدم شخصيا إلى المغرب سنة 1972، أملا في أن يتمكن من إقناع نجم المحمدية والمنتخب المغربي، الحاج أحمد فرس، وجعله يقبل عرضه المغري، والانضمام لترسانة النادي الاسباني، مقابل مبلغ حدد حينها  في 150 مليون سنتيم.. لكن رائحة المال وعطر الاحتراف والعالمية، لم يكونا ضمن أجندة الفضالي فرس. ولم يتمكنا من إقناع واستمالة نجم بقيمة ووطنية فرس. فكان الرد بالرفض والاعتذار سريعا. كما تلقى عروضا أخرى من أندية أوربية وأمريكية، من نادي باستيا الفرنسي، ونادي كوميسموس الأمريكي، و أندية خليجية  من دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على الخصوص. لكن (الفرس العربي الأصيل)، ضل يصهل بحبه وعشقه لمدينته، منبع الزهور والرياضات الأنيقة.كان أحمد فرس فارسا في مداعبته للكرة المستديرة وقيادته للهجوم… فنانا ومبدعا وقائدا لأسود فضالة وأدغال الأطلس لمدة عشرين سنة. 

تدخل ملكي لفك ضائقة الأسطورة بعد الحجز على منزله

أحب الحاج أحمد فرس مدينته المحمدية وبلده المغرب بعشق وولع. وزهد في كل ما له علاقة بالمال والجاه.. فكان دائما البسمة والحياء. شخصية الوطني المكافح ضلت لا تفارقه في شبابه ورجولته وشخيخوته. لكنه عانى بمرارة وألم سنة 2008 من قرار جائر تمثل في الحجز على المنزل الذي يحضن أسرته الصغيرة بمدينة المحمدية. وهو القرار الذي فاجأ كل محبي وعشاق كرة القدم وطني ودوليا. إذ كيف يعقل ألا يتمكن نجم عالمي من الحفاظ على منزل لأسرته. وهو الذي صنع جزء من تاريخ المغرب في كرة القدم. علما أنه كان موظفا بسيطا بوكالة بنكية بالمدينة… لكن المعاناة والآلام لم تصمد كثيرا امام المبادرة الملكية السريعة… إذ لقي فرس حضن ملكيا أوسع وأشمل. فقد تدخل الملك محمد السادس شخصيا، وقام بتسوية مشاكله المالية، وفك الحجز عن منزله. وأعاد البسمة والحياة للأسطورة وكل أفراد أسرته. وهو التدخل الملكي الذي ثمنته الجماهير الرياضية محليا ووطنيا. 

كتاب خاص عن سيرة ومسيرة الأسطورة  فرس

سيرة ومسيرة  الأسطورة أحمد فرس، وجدت لها قلما حادا، تمكن من إخراج كل تفاصيلها في كتاب حمل اسم  (أحمد فرس.. سيرة حياة). إنه الزميل عبد العزيز  بلبودالي الكاتب والصحفي بجريدة  الاتحاد الاشتراكي.  والذي زاد اهتمامه بالتوثيق الرياضي، فأصدر بعده كتب أخرى ( رياضيون في حضرة الملك)، (المغرب الرباطي..قصة وتاريخ)، ( أيام كايرو..بعيون مغربية)، والذي بصدد إصدار مؤلفات جديدة ( شباب المحمدية، رجال وتاريخ) و(تاريخ الرياضة في المحمدية)، و( الأولمبياد الخاص، تاريخ وإنجازات).    تحدث بلبودالي بالتفصيل في كتابه عن الأسطورة الفضالية، عن جوانب من حياة الأسطورة الكروية في أكثر من 300 صفحة مدعما بالصور. وتضمن أسرار وحكايات مشوقة ومحطات تاريخية من حياة الكرة المغربية وقصة حصول فرس على الكرة الذهبية.. 

وجاء في الكتاب أن: أحمد فرس نجم المنتخب المغربي والكرة الإفريقية في فترة السبعينيات، من مواليد المحمدية في 7 دجنبر 1946. و هو أول لاعب ينال الكرة الذهبية الإفريقية عام 1975 من مجلة فرانس فوتبول الفرنسية. وعن هذا الإنجاز قال فرس : أذكر أنني رشحت لنيل الكرة الذهبية ثلاث سنوات متتالية، وبشهادة جميع المتابعين وخبراء الرياضة كنت الأحق في نيل هذه الجائزة، لم تكن هذه الجائزة تتحكم في أدائي ، لقد بذلت أقصي ما لدي والجائزة توجت مجهودي”.      

تواضع واعتراف أسطورة

من يعرف الحاج أحمد فرس عن قرب. يرى فيه شخصية متواضعة زاهدة في الحياة ومشاغلها. يقضي يومه بين تدريب الأطفال داخل مدرسته (أشبال الأطلس )، وتحقيق حاجيات ومطالب أسرته. بعد أن تقاعد عن عمله كموظف بوكالة بنكية. بل إنه لا يتوفر حتى على هاتف محمول. من أجل التواصل مع باقي البشر. سبق أن خاض تجربة رئاسة شباب المحمدية، في مرحلة كان الكل يبحث فيها عن قائد يوقف نزيف العبث الإداري والمالي داخل النادي العريق. إلا أن طيبته وأخلاقه ونواياه الجادة، لم تكن توازي سلوكيات من كانوا رفقته. فقرر تقديم الاستقالة والانسحاب بهدوء. حتى لا يعثر (فرسه). 

فهو الرجل الذي لا يرغب في التموقع ولا في الريادة، بل إن ما سطع عنه من نجومية. يعتبرها مشتركة بين كل من شاركوه اللعب والتسيير والعطف والتكافل.. فقد قال في أحد تصريحاته للزميل بلبودالي، والتي دونها هذا الأخير بكتابه عن حياة الحاج فرس: 

(أدين بكل شيء لجميع من رافقني في قطار هذا المسار.. كل الرفاق والأصدقاء.. الفضاليون..أصدقائي لاعبو الفريق الوطني.. المسؤولون.. الجماهير المغربية في كل ربوع الوطن..الصحافيون.. العائلة الملكية الشريفة..المرحوم الحسن الثاني.. المرحوم مولاي عبدالله.. ملك البلاد محمد السادس أطال الله عمره.. الأمير مولاي رشيد..الجميع رافقني في ذلك الدرب الطويل.. والجميع لعب دوره في صنع هذا الإسم.. إليهم جميعا أبعث كل تحياتي ومحبتي وإخلاصي.. فشكرا لهم جميعا..شكرا جلالة الملك). 

قال بصريح العبارة إنه منتوج مغربي خالص، تحمل جيناته بصمات وطوابع كل من جاوروه ودعموه ووثقوا في مؤهلاته. 

من عشاق فرس من حملوا اسمه 

انتشر اسم الأسطورة فرس بمدينة المحمدية والمغرب. إلى درجة أن هناك من أصبحوا معروفين باسم (فرس) بدلا من أسمائهم الحقيقية. فإلى جانب أحمد فرس وشقيقه الأصغر محمد الذي لعب لاتحاد المحمدية. نجد هناك الرداد بن الشواف الرياضي الذي انتقل من مدينة الزهور إلى مدينة آكادير حيث يدير مستودعا لبيع الأسماك، ومحمد الكراط حارس مرمى سابق ومدرب للحراس حاليا والذي يدير محلا للخرازة بعالية المحمدية.            

الرداد اشتغل نادلا بدون مقابل لخدمة أحمد فرس

الرداد بن الشواف سبق أن كشف لي أن فرس كان زميله في نفس المدرسة (البريركات) التي أصبحت الآن إعدادية تحمل اسم (ابن ياسين)، وأضاف أنه أحب طريقة لعبه ومهاراته منذ صغره فكبر إلى جانبه لا يفارقه، وكبر معه حبه لفرس الذي شق طريق النجومية، وتابع الرداد : كان فرس كثيف الأهداف والمراوغات والتسديد، كنت ألحق به أينما حل  وارتحل. ولعل أبرز ما بصم لقب فرس في شخصية الرداد لدى العامة والمقربين منه، أنه هدر دراسته حبا في كرة القدم التي كان يصنعها فرس، وعمل من وراء أسرته  نادلا وسنه حينها 11 سنة بدون أجر مالي في مقهى بالشاطئ المركزي، واشترط على صاحب المقهى أن ينفرد بخدمة فرس كل ما جاء إلى المقهى. قال الرداد: أهملت الدراسة وعشقت كرة القدم وفرس، حضرت عرس زواجه  وقررت خدمته بدون مقابل، كنت أحضر التربصات الإعدادية لفريق شباب المحمدية وعيني لا تفارق النجم فرس، وانتظره بالمقهى رفقة باقي اللاعبين الذين اعتادوا تناول وجبات الغذاء بالمقهى خلال التربصات.

وأضاف: كنت أصر على معرفة لائحة شباب المحمدية قبل كل مباراة لأعرف هل فرس جاهز للعب أم أنه مصاب. لأقرر الحضور أم عدم الحضور للقاءات الشباب. كنت أسرق النقود لأبي لأتدبر مصاريف التنقل مع جمهور شباب المحمدية إلى مدن مختلفة. وفي كثير من الفترات أكد الرداد أنه كان يركب القطار بدون مال فيختبئ ثارة ما بين عربات القطار وثارة فوق إحداها هربا من مراقبي التذاكر، وكان فرس يحميه في العديد من المرات التي يقع فيها في قبضة شرطة القطار، ويمده بالنقود، وتابع:  أصبحت أسرته أسرتي وأصبحت عما لأبنائه. 

كراط اعتقلته شرطة القطار فادعى انه ابن فرس

من جهته قال محمد كراط إنه كان مهووسا باللاعب الأسطورة أحمد فرس، يقضي كل أيام الأسبوع في البحث عن نقود تمكنه من تتبع لقاءات فرس داخل وخارج مدينة المحمدية، وحكي كراط أنه في أحد الأيام كان طفلا صغيرا يركب قطارا في اتجاه مدينة الرباط بدون تذكرة، فتم اعتقاله من طرف شرطة القطار، وتقديمه لضابط أمني بالرباط، وأنه لما سأله عن هويته قال له إنه ابن النجم (فرس)، وإنه تائه، ليجد نفسه محضونا من طرف الضابط    ورفقائه، حيث أكرموه واشتروا له بذلة رياضة وحذاء رياضي،  وهاتفوا والده فرس، لكنهم فوجئوا برد الأسطورة، الذي أكد لهم أنه ليس بابنه. ولما عادوا لاستفساره عن اسم والده الحقيقي، قال لهم إنه ابن فرس الخراز وليس أحمد فرس. وبلغت حكاية كراط إلى كل ساكنة المدينة، ليجد نفسه حاملا لقب فرس.
 
إشارة:
من يمتلك أي معلومة إضافية أو صورة عن هذه الشخصية يمكن إرسالها لنا مشكورا على البريد الإلكتروني التالي:
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى