بصمات رمضانية: الحلقة الثالثة مع الراحل عبد القادر آيت أوبا
الدار/ بوشعيب حمراوي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات.. مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
بصمات رمضانية.. الحلقة الثالثة : الراحل عبد القادر أيت أوبا
خمسون سنة من العطاء الرياضي
نادرا ما نصادف شخصية رياضية بارزة ثابرت لأزيد من نصف قرن من أجل ترسيخ مبادئ ومهارات كرة القدم في عقول وأذهان الأطفال. أكثرهم مشردين أو منحدرين من أسر معوزة. شخصية جمعت بين المدرب والأب والمربي والواعظ والمنقذ والمنشط.
إنها شخصية الراحل عبد القادر أيت أوبا صاحب المقولة الشهيرة (هنا واشنطن)، والتي جمعت بين الكفاءة والصرامة والمرح والدعابة..
شخصية كانت تزيد من أداءها و عطاءها اتجاه صنف الأبرياء، كلما زادت يأسا وإحباطا من سلوكيات وأخلاقيات الكبار وكلما ضاقت بها السبل والمسالك.. في زمن ناذرا ما يستمر فيه الأداء والعطاء بسخاء. قاست غياب الدعم المالي والمعنوي.. وغياب التحفيز والتنافس الشريف، بل حتى الاعتراف والامتنان والعرفان.
ونادرا ما تجد المدرب يجود من ماله الخاص، من أجل تحقيق نشوة الفوز بتحقيق أحلام أطفال الفقراء والمساكين. مدرب يتصدق حتى بدراجته الهوائية التي كانت وسيلته الوحيدة للتنقل والتبضع. لكي يمكن طفل أو شاب من التنقل وتحقيق أماله.
من من الفضاليين وغيرهم من رياضيي الوطن، لا يعرفون الراحل أيت أوبا. مؤسس مدرسة المجد والعفة. تلك المدرسة التي فتحها في وجه الغني والفقير .. المشرد واليتيم.. جعل شرط ولوجها مرتبط أساسا بمدى رغبة واستعداد الطفل، دون اعتبار لأوضاعه الأسرية والمالية.
استحق صفة مقاوم رياضي
عزة نفس وشموخ قل نظيرهما، رغم الفقر والتهميش الذي طاله منذ سنين، ضل وفيا ومخلصا للكرة المستديرة. وقدم تضحيات جسام .. صفات لن تجدها إلا في رجل واحد بمدينة الزهور… إنه المدرب الراحل سي عبد القادر ايت أوبا، صانع نجوم المحمدية، الذي ضل وفيا لأطفال كرة القدم.
كان يرى كيف تصرف الأموال على من لا يستحقها، وكيف أن الجهات المعنية بقطاع الرياضة بالمدينة تهتم بسخاء بجمعيات وهمية وأنشطة واهية . ولا تعير اهتماما لمدرسته (المجد). الحضن الوفي والسخي لمئات الأطفال.
كشف لي قيد حياته في عدة مناسبات، غضبه واستياءه مما يجري ويدور بمدينة الزهور. وكيف يتم تهميش الطاقات والاهتمام بالعاهات. لكنه كان يؤكد أن التهميش لن يزيده إلا إصرارا ورغبة في المزيد من العطاء. لأنه كان يؤمن من أن عمله خيري، وأنه دائم الاستعداد لتقديم المزيد من الخير في سبيل الله.
المجد والعفة لمدرسة المجد
هذا ما صرح بالفضاليين، ممن عايشوا الراحل، وممن استفاد أبنائهم وبناتهم من برامجه الرياضية والتربوية.. كلهم أجمعوا على عبارة (المجد والعفة لمدرسة المجد).
قائد مدرسة المجد كان قد تمكنت بالكاد من توفير مقر لها خلف المدرجات العارية لملعب البشير. مدرسة تعمل في صمت، تنشط في الخفاء، لكنها كانت ولازالت تعاني من غياب ملعب للتداريب في مستوى طموح الأطفال المتدفقين على المدرسة، كما تعاني من قلة الدعم واللامبالات والتهميش رغم ما تقدمه من خدمات رياضية واجتماعية للأطفال، مداخيل المدرسة الهزيلة تعتمد أساسا على منحة سنوية متواضعة لبلدية المحمدية ، إضافة إلى مداخيل الانخراطات الرمزية والتي يؤدونها أسر الأطفال الميسورة فقط. ولو أن غالبية الأطفال ينحدرون من أسر فقيرة . فالمدرسة تكون العشرات من أطفال الأسرالمعوزة بالمجان. كما تقتني لهم البدل والأحذية الرياضية والأدوات والكتب المدرسية بداية كل موسم رياضي ودراسي.
مرض الراحل فضاقت أنفاس الأطفال
تمر السنون و تواصل سفينة أيت أوبا رحلتها بكد واجتهاد.. لكن رحلات العمر لا بد وأن تعرف حوادث ومطبات.. ولابد وأن تتوقف .. وهذا ما وقع لسفينة عمر الراحل التي جرت الرياح بما لم تكن تشتهيه. حيث تدهورت وضعيته الصحية تدريجيا، ودون استمرار و ضل صامدا في عطاءه، حتى أرغمه المرض على التقاعد، وانتظار ما قد تجود به الحياة والمدينة لأسد ضل في الظل يروض الأشبال من ماله الخاص.
لم يجد أدنى التفاتة من فعاليات المدينة الرياضية والاقتصادية ولم يتلقى وهو طريح الفراش منذ أزيد من شهرين تحية إجلال ولا زيارة رد جميل من بعض الذين صنعهم في أوقات الشدة.
مولاي عبد القادر عاني من مرض السكري الذي جعله يبتر جزء من رجله اليسرى، لكي لا يتسرب له المرض إلى باقي جسمه، الشيخوخة والفقر والتهميش خصوم لم يعد حينها يدري هل يتمكن من هزمهم. لكنه كان يشحن نفسه بأمل أسرته التي ترغب أن يطول عمره، وأن يعيش ما تبقى من حياته رمزا للرياضة المحلية، وأن يمحوا الإحباط الذي ولدته في ذاكرته رجالات رياضية، كانوا بالأمس أطفاله الذين يتنفسون بما يختزن لهم من تقنيات وإبداعات رياضية.
مات الأسد فتسلم الأبناء مشعل المجد
انتهت رحلة العمر.. وغادر الراحل إلى دار البقاء.. تاركا وراءه رصيدا من العمل الخيري الإنساني الناذر والمجد الناذر. ومدرسة صنعت النجوم.. ليتسلم المشعل أبنائه إلى جانب باقي أعضاء مكتب المدرسة المسير.
قال الحسين نجل الراحل ايت اوبا. إنه وجد نفسه مثقلا بحمل رياضي وأرشيف كبير. بعد وفاة والده. وادرك بعدها حجم المسؤولية والسخاء الذي كان يحمله والده بلا كلل ولا ملل.
وأضاف أنه والده كان قيد حياته أبا لكل أطفال وشباب المحمدية. وأنه اكتشف أنه والده لوحده بعد مرضه. حيث كان يلازمه في كل تنقلاته من أجل العلاج والاسترخاء والترفيه عن النفس. وعندما اشتد به المرض، كان يحمله للعلاج ويشغله، حتى لا يصاب بالضجر والإحباط.
من جهتها أكدت مريم ابنة الراحل ايت اوبا، أنها لم تدرك جسامة الدور الرياضي والتربوي الذي كان يقوم به والدها. إلا بعد مرضه ووفاته. وأوضحت أنه عندما مرض والدها بدأ الناس يتحدثون عن أمجاده وما قدم لأطفال وشباب المدينة. وتابعت مريم : فقدنا أهم شخص لدينا.. وكنا ننتظر أن يتم إنصافه من طرف سكان المحمدية، لكن لا شيء حصل). وعادت مريم للحديث عن حفل ذكراه الذي نظم قبل عدة أسابيع بمسرح عبد الرحيم بوعبيد. حيث تأسفت لغياب من كان والدها سندا ودعما لهم، وعن غياب الجهات المفروض أن تعترف بأرشيفه. وتمنت أن يكون الاحتفال بذكراه السنوية من طرف المدينة وروادها. مشيرة بعيون دامعة (حقه مسكين ماخداهش).
من ذكريات الكرم الذي ترسخ لدى الراحل
تجاوز كرم الراحل أيت أوبا الجانب الرياضي، ورغبته الأكيدة في صناعة النجوم دون اعتبار للأسر المنحدرين منها. إلى مستوى السخاء الاجتماعي بالرغم من أنه كان ينتمي لطبقة المغاربة متوسطي الدخل. فالراحل الذي يعتبر أول من اقتنى الدراجة النارية المعروفة ب(سوليكس)، اضطر في فترات من عمرها إلى التصدق بها، من أجل دعم خدمة شخص رأى أنه في حاجة أكثر إليها. بل إنه حصل على دراجة هوائية كهدية من قريب له بفرنسا. وقام بالتصدق بها هي الأخرى. كما قام بالتصدق بدراجة هوائية ثانية كانت معيله الوحيد في التنقل ما بين منزله ومقر مدرسة المجد.
التفاتات من فعاليات محلية وتهميش رسمي
من بين الالتفاتات الرمزية التي يمكن تسجيلها عرفانا برصيد الراحل أيت أوبا. يمكن تسجيل زيارات قام بها مجموعة من الفعاليات إلى منزله، حيث كان قيد حياته مريضا طريح الفراش. والاحتفاء بذكراه السنوية التي تنظمها أسرته الصغيرة. بالإضافة إلى دوري سنوي في كرة القدم يحمل اسم الراحل ، تنظمه جمعية أمل الشحاوطة، والذي بلغ الآن نسخته الثانية.
سيرة ومسيرة مدرب فريد
قيدوم رواد كرة القدم بمدينة الزهور، مارس اللعبة منذ حوالي خمسين سنة، لعب في السن 13 لفريق فضالة سبور الذي كان معظم لاعبيه إسبانيين، إلى جوار الفاضلي وبطابوط … ولعب لشبان اتحاد المحمدية، قبل أن يتوقف عن الممارسة لأسباب صحية، ويلتحق بعالم التدريب في سن جد مبكرة، إذ كان لازال في سن التاسعة عشرة . أحرز بطولة المغرب الفتيان سنة 1974 مع شباب المحمدية، كان يوفر للمرحوم الحاج عبد القادر لخميري قائد سفينة الشباب حينها الموارد البشرية الكافية والتي حقق معها عدة ألقاب وبطولات، ويكفيه فخرا أنه كان وراء تكوين عدة نجوم في السبعينات والثمانينات على رأسهم أحمد فرس وحسن اعسيلة والطاهر الرعد وادريس حدادي وعبد اللطيف حدادي وولد عائشة ومصطفى الزياتي. وغيرهم كثيرون من اللذين نسجوا أمجاد المدينة والوطن.
كما درب أواخر التسعينات، آخرون ومنهم من لازال يبدع فوق بساط الملاعب الوطنية، بعدة أندية وطنية ودولية ، نذكر منهم (نور الدين الزياتي ،عزيز البوطي، نور الدين الصويب ،موكلي حاتم ، عادل كروشي…).
يعتبر الراحل عبد القادر أيت أوبا من بين المؤسسين لنادي شباب المحمدية… كما ساهم في تأسيس عدة مدارس كروية. واختار أن يبقى بعيدا عن إدارتها واكتفى بمهمة التدريب ( الهلال، الأولمبيك..)، بعدها قرر تأسيس مدرسة المجد واختار أن يكون قائدا لطاقمها الإداري والتقني لضمان استمراريتها.
من يمتلك أية معلومة إضافية أو صورة عن هذه الشخصية يمكن إرسالها لنا مشكورا على البريد الإلكتروني التالي
[email protected]