تقرير يرصد 800 “مسجد مخفي”
الدار: خاص
يبلغ عدد المسلمين في إسبانيا حوالي مليوني مسلم، هذه الجماعة العقدية عرفت ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة. وهناك أزيد من ألف مكان مخصص للعبادة مرخص له موزعة على امتداد التراب الإسباني، إضافة إلى مئات الأماكن الخاصة. وعلى العموم، هناك نوع من الاندماج التام للمسلمين في المجتمع الإسباني.
وفي دراسة أعدها سنة 2017 اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا والمرصد الأندلسي، بلغ عدد المسلمين المسجلين حوالي مليون وتسعمائة وخمسين ألف مسلم، ما يعني أن المسلمين يمثلون تقريبا 4 في المائة من مجموع سكان إسبانيا.
وحسب المعطيات المتوفرة لدى المديرية العامة للدولة واتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا فإن 42.8 في المسلمين في البلاد هم إسبانيا (834.058)، وهي نسبة عرفت نوعا من الارتفاع في السنوات الأخيرة مقارنة بالأجانب الذين يمثلون 57.2 في المائة من مجموع المسلمين (1.1 مليون).
ولا تكاد أرقام الإسبان ممن يعتنقون الإسلام تتوقف عن الارتفاع، سواء بسبب تجنيس الأجانب أو بسبب تحول الإسبان أنفسهم إلى الدين الإسلامي.
ويأتي في مقدمة المسلمين القاطنين فوق التراب الإسباني،تبعالجنسياتهم،الإسبان بالدرجة الأولى متبوعين بالمغاربية والباكستانيين والسينغاليين والجزائريين والنيجريين والماليين والغامبيين والبنغلادش والغينيين.
ويتوزع هؤلاء المسلمين بالخصوص في سبتة ومليلية ثم كاطالونيا ومورسية ولاريوخا والعاصمة مدريد ثم تقل أعدادهم في باقي المناطق.
المساجد وتسييرها
قبل الشروع في الحديث عن المساجد في إسبانيا وطريقة تسييرها، من المهم التطرق إلى الإطار القانوني المنظم للشأن الديني في إسبانيا، حيث ينص الدستور الإسباني في مادته الأولى على أن قيم الدولة الإسبانية تتمثل في الحرية والعدالة والمساواة والتعددية السياسية؛ كما يحدد أيضا علاقة الدولة بالمعتقدات الدينية ويعترف لمعتنقيها بالحق في ممارستها دون قيد أو شرط. وهناك أيضا القانون التنظيمي 7/1980 المتعلق بالحرية الدينية. وكنتيجة للمادة 16.3 من الدستور الإسباني والمادة 7 من التنظيمي المتعلق بالحرية الدينية، خرج إلى الوجود سنة 1992 القانون 26/1992 المتعلق باتفاق التعاون بين الدولة الإسبانية واللجنة الإسلامية لإسبانيا المكونة من فيدراليتين كانتا موجودتين حينها: اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا والفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية.وهناك أيضا هيئات وجمعيات أخرى تنتظم للعمل في هذا المجال
وأورد مرصد التعددية الدينية في إسبانيا (يتبع للحكومة المركزية) في تقرير أعده في يونيو 2018 أن عدد المساجد بلغ 1586 مقارنة بـ 1569 سنة 2017، أي بزيادة قدرها 22.36 في المائة. وهي ثاني نسبة بعد أماكن العبادة الخاصة بالمسيحية الإنجليزية والتي تضم طائفة الأدفنست أو السبتيين والإنجيليكانيين.
وهناك أيضا أماكن أخرى مخصصة للعبادة غير مرخصة ربما لم يشملها البحث، لكنها تبقى مهمة مع ذلك.
ويشير خبراء الإرهاب أيضا أن هذه المراكز تبعث رسائل وصفوها بـ "المتطرفة"، تزداد حدتها خصوصا عند الحديث في المواضيع السياسية أو تحليل النزاعات الدولية. وعلى كل حال، فقد فقدت أماكن التجمع هذه تأثيرها في الدفع بمرتاديها ممن لا يتوفرون على أرضية إيمانية صلبة إلى احتضان الأفكار المتطرفة، لأن الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت أهم بؤر الاستقطاب ونشر الأفكار المتطرفة.
وبالنظر إلى عدد المسلمين في إسبانيا، فإن عدد دور العبادة المرخص لها رسميا لا يلبي حاجات المسلمين هناك، مما يدفعهم إلى تشييد أماكن للاجتماع والعبادة غير رسمية قد يستغلها بعض الأشخاص لنشر الأفكار المغلوطة أو المتطرفة عن الإسلام بعضهم تراقبه السلطات الأمنية الإسبانية.
وحسب تقرير أصدرته مؤسسة خاصة للاستخبارات والاستشارات الأمنية سنة 2016، فهناك في إسبانيا حوالي 800 "مسجد مخفي" على المستوى الوطني، وهي عبارة عن مراكز يتجمع فيها الناس للصلاة وربما يستغلها أصحابها لاستقطاب وتمرير الأفكار المتطرفة. وتكون هذه الأماكن في العموم عبارة عن بنايات منخفضة ومخازن ومحلات تجارية ليس لها صفة مكان عبادة رسمي ولا يشرف عليها أئمة معروفون.
ويلعب جزارو الحيعادة دور الأئمة في هذه الأماكن غير المرخص بها. وبسبب ضعف تكوينهم الديني فهم يفسرون الأمور الدينية على حسب فهمهم، وهو ما قد يتسبب في نشر أفكار مغلوطة عن الدين الإسلامي، ربما تنحو أحيانا منحى في حث على استخدام العنف أو التخريب والتفجير وغيرها.
ويشتكي المسلمون في إسبانيا من غياب أماكن العبادة المناسبة. وقد بدأ اهتمام السلطات الأمنية الإسبانية بهذه الأماكن المخبأة بعد تفكيك خلية مشكلة من اثنا عشر شخصا ارتكبت في غشت 2017 أحداث برشلونة والتي كان يشرف عليها من كان يعرف لدى وسائل الإعلام الإسبانية بـ "إمام ريبول".
ويؤكد رئيس الفيدرالية الإسبانية للمؤسسات الدينية الإسلامية، منير بنجلون، أن أماكن العبادة غير الرسمية يستغلها أشخاص بأجندات مجهولة لنشر الفكر المتطرف والداعي إلى استخدام العنف. وعلاقة بإمام ريبول، أضاف بنجلون أنه "شخصية لم تخضع للمراقبة وغير مصادق على ما كان يقوم به، كما أنه لم يتلق تكوينه لدى مؤسسات إسلامية ممثلة في إسبانيا". ويحذر رئيس الفيدرالية الإسبانية من استقطاب أئمة من دول أخرى من دون التعرف على تاريخها وتكوينها، مشيرا إلى أن الإمام "أهم شخصية في المجتمع الإسلامي"، ولهذا من "اللازم" تكوين هؤلاء الأشخاص" وأن "يكونوا في مستوى مسلمي إسبانيا".
ويشدد المغرب بدوره على ضرورة إيلاء المساجد والأئمة في إسبانيا "أهمية خاصة"، لأن لهم تأثيرا مباشرا على أبناء المهاجرين من الجيل الثاني. وفي هذا الصدد، أكد وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي الفتيت، في إحدى لقاءات بنظيره الإسباني في الحكومة السابقة على "أن أبناء المهاجرين المغاربة من الجيل الثاني والثالث ممن ولدوا في الدول الأوربية في حاجة إلى عناية خاصة تحول دون سقوطه في براثن الإرهاب"، في إشارة إلى المساجد غير المراقبة وإلى بعض الأئمة ممن من يحملون أفكارا متطرفة. وتشير مصادر متعددة أن المغرب عرض على الجانب الإسباني التعاون على الأرض وضرب مثالا بفرنسا التي وقع معها المغرب على اتفاق لتكوين الأئمة.