الرأي

الخطة الملكية البديلة…

 بوشعيب حمراوي

عاد الملك محمد السادس ليؤكد على ضرورة بلورة مشروع نموذج تنموي جديد. ويضع الخطة الملكية البديلة لتيسير إحداث نموذج تنموي جديد، قادر على نهضة البلاد وتطورها وإنصاف سكانه. بعدما تعذر على نواب الأمة وأحزابها ونقاباتها، إعطاء نماذج تنموية بديلة، كان قد طلبها منها. فقد سبق وأقر الملك بانتهاء صلاحية النموذج التنموي الحالي، في خطابه الافتتاحي للسنة التشريعية لسنة 2017. وطالب بالتجديد.  كان الخطاب موجها لنواب الأمة، ومن وراءهم الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات والهيئات الوطنية العمومية والخاصة. وكان الأمل أن تتلقى تلك الجهات الرسالة بسرعة، وأن تبادر إلى إعداد البديل المأمول. إلا أن التجاوب كان ضعيفا، والمردود كان جد هزيلا، بسبب غياب الكفاءات والكوادر، وهيمنة الولاءات والقرابات على عضوية اللجان التي شكلتها الهيئات، والتي كلفتها لإعداد مشاريع تنموية جديدة.  

 قصور أداء وتجاوب الجهات المعنية مع الخطاب الملكي الافتتاحي للسنة التشريعية لسنة 2017، جعل الملك محمد السادس يقرر إحداث لجنة خاصة بإعداد مشروع  النموذج التنموي، وتنصيبها مع الدخول المقبل. موضحا أن الجنة لن تكون حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية، وإنما هي هيأة استشارية، مهمتها محددة في الزمن. وستشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا. كما دعا الحكومة للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، تقوم على التكامل والانسجام، من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي، في صيغته الجديدة. كما كلف رئيس الحكومة، باقتراح لائحة كفاءات وطنية عالية، في أفق الدخول المقبل، لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية. لان مشروع النموذج التنموي المرتقب يلزمه طاقات بشرية، حتى يتسنى وضع الرجل أوالمرأة المناسبين في المكان المناسب. كان الملك واضحا في طلبه الحصول على البديل، بعدما أصبح النموذج التنموي الوطني غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية. مطالبا بإشراك الكفاءات الوطنية في عملية الإعداد للمشروع المرتقب. 

فقد بات واضحا من خلال خطاب العرش  الخاص بالذكرى ال20، أن رغبة وسرعة الملكية بالمغرب، في التطور والإرتقاء والنماء، يقابلها خمول وبطء الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون البلاد. كما يقابلها الغياب التام لأدوار الأحزاب السياسية والنقابات. كما بات واضحا انفتاح وشفافية وجرأة الملك محمد السادس، ورغبته الأكيدة، في إيجاد حلول لإنصاف المغاربة (كل المغاربة).. بحملها شعار (المغرب.. بيتنا جميعا). 

أقر الملك الذي قاد البلاد بأمانة لعقدين من الزمن، بأن الأمانة عظيمة وأن المسؤولية جسيمة، آثار التقدم  والمنجزات التي تعرفها البلاد، (لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي). وأن (بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق ا لاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى). وبالتالي فالملك يعرف ويقر أن هناك مغاربة أهملهم النموذج التنموي الجاري، وأنهم ينتظرون إنصافهم. وطبعا فهم لا شك غاضبون ومستاءون  ومدمرون.. عكس ما يرى الطبيب النفساني سعد الدين العثماني. والذي ما فتئ يردد بأن المغاربة سعداء. وأنهم منتفعين مما يعرفه المغرب من تطور وانفتاح.

الفرق شاسع بين خطاب الملك محمد السادس، الذي يبرز مدى اهتمامه بالشعب، حث يؤكد (يعلم الله أنني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة). ويضيف (يشهد الله أنني لم ولن أدخر أي جهد، في سبيل الدفاع عن مصالحك العليا، وقضاياك العادلة، كما يشهد الله أنني جعلت من خدمتك شغلي الشاغل، حتى ينعم جميع المغاربة، أينما كانوا، وعلى قدم المساواة، بالعيش الحر الكريم).

وبين تصريحات وردود الرجل الثاني المستفزة والمهينة للشعب، كقوله بأن (المغاربة لا يؤدون الثمن الحقيقي للماء و.. وأن جزء من فاتورة الماء تؤديها الدولة). وكأنه يمن عليهم بتلك الأموال. ويتجاهل أن أموال الدولة هي أموال المغاربة المقتطعة على شكل ضرائب وغرامات وإتاوات. 

 أعاد الملك محمد السادس التأكيد على الخيارات الكبرى للبلاد،  المتمثلة في الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها، والخيار الديمقراطي والتنموي، الذي نقوده بعزم وثبات، والإصلاحات العميقة، التي أقدم عليها، والمصالحات التي حققها، والمشاريع الكبرى التي أنجزها. دون الإنكار بأن المغرب لم يتمكن أحيانا، من تحقيق كل ما يطمح إليه. وأنه اليوم أكثر عزما على مواصلة الجهود، وترصيد المكتسبات، واستكمال مسيرة الإصلاح، وتقويم الاختلالات، التي أبانت عنها التجربة.

بين خطاب الملكي الافتتاحي للسنة التشريعية لسنة 2017. وخطاب العرش لسنة 2019، عرف المغرب مدا وجزرا في كل مناح الحياة. إلا أن أسوأ ما تعرفه البلاد، هو عدم تجاوب بعض الجهات المسؤولة مع المبادرات الملكية، إما عن جهل أو قصور، أو عن تهاون وتلاعب.. 

قصور أو تجاهل لخطب الملك، وما يرصده من أخطاء وهفوات وتجاوزات، وما يسطره من رؤى وبرامج وخطط.. وقصور وتجاهل لمجموعة من المشاريع التي أشرف على إنجازها…حيث مجموعة مشاريع عالقة بعدة مدن، بسبب تلاعب في الإنجاز، أو عدم احترام المساطر القانونية (نزع الملكية، تصفية وتمليك العقار، البناء فوق البرك المائية،)، أو عدم رصد الأغلفة المالية اللازمة.. كما أن هناك مشاريع أخرى تم افتتاحها من طرف الملك محمد السادس، ليكتشف الناس أنها بدون تجهيزات أو موارد بشرية لازمة… أو أنها ممنوعة عن فئات مجتمعية.

ما يعيشه المغرب من تعثرت وعراقيل، اتضح أنها من صنع الحكومة والأحزاب السياسية والنقابات، ومعها الإعلام. وأن الملكية في المغرب تعاني من غياب ركيزة الحكومة. وتلاشي أدوار الأحزاب السياسة والنقابات. وأن الملكية تعاني بين مطرقة هؤلاء الساسة المشوشين، وسندان الشعب المفروض أنه هو من ينتج تلك الكائنات البشرية المسؤولة. وأن الحل النهائي هو من يصدره…  ولن يجد فرصة أحسن، في عهد ملك قرر منذ مدة الانضمام إلى صفوف الشعب.  

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى