نستنزف مياهنا أكثر مما يجب كما لو أننا نطلق الرصاص على أنفسنا.. !
الدار- أحمد الخلفي
المغرب يمارس حاليا عملية الانتحار البطيء.. إنه يضيع ثروة هائلة من مياهه الجوفية من أجل لا شيء، وفي المستقبل سيكون على الأجيال المقبلة أن تبكي دما بسبب ما تقترفه الأجيال الحالية من جرائم في حق ثروة المستقبل.
كل التكهنات تقول إن ثروة المستقبل لن تكون البترول ولا اليورانيوم ولا.. ولا.. فالثروة ستكون هي الماء، ومن أجل الماء ستنشب حروب طاحنة بين الأمم، ومع ذلك فإننا لا ننتبه إطلاقا إلى هذا المعطى ونستمر في تبذير ثروة ثمينة ببلادة مطلقة.
كل السهول الخصبة والرطبة نبتت فيها مدن بسرعة قياسية، وكثير من المناطق التي كانت تضم كميات هائلة من المياه الجوفية تحولت إلى أسمنت، وذهبت الزراعة والماء معا، بينما كان من الممكن أن نبني مدنا في مناطق لا تتوفر على الكثير من المياه الجوفية، ما دام أن الماء سيصل إلى المنازل عبر الربط بقنوات المياه، ونترك مصادر المياه كنزا ثمينا في أيدينا.
أما أنهارنا القليلة فلم تعد لها هوية على الإطلاق، ففي الشتاء تتحول إلى خطر داهم مخلوط بالماء والوحل، وفي الصيف إما تجف أو تختلط بالأزبال والواد الحار، ولا يبدو أننا نبذل جهدا كبيرا من أجل استغلال مياه هذه الأنهار أو رعايتها بالشكل اللازم، حفاظا عليها من أجل المستقبل.
وفي مناطقنا الفلاحية تزدهر فلاحات هي بمثابة لعنة حقيقية، حيث أن حبة واحدة من البطيخ الأحمر يمكن أن تستهلك كمية قياسية من المياه الجوفية، وفي النهاية تباع في السوق بأربعة دراهم للكيلوغرام كأقصى حد.
البلدان التي تخشى على مياهها الجوفية منعت بشكل كامل زراعة البطيخ الأحمر، وها هي جارتنا الإسبانية قررت أن تستورد منا هذه "الفاكهة الملعونة" عوض زراعتها، لأنها تدرك حجم الأضرار التي يلحقها البطيخ الأحمر بثروة المستقبل.
المغرب مصاب فعلا بالإجهاد المائي، والإحصائيات تصنفنا من بين البلدان المهددة بشكل فعلي بخطر العطش مستقبلا، ويومها لن تنفع لا سدود ولا أنهار، ومدننا تستقبل كل يوم المزيد من المهاجرين من القرى نحو المدن، والسدود يتجمع فيها الوحل والطمي أكثر من الماء، والطلب يتزايد على المياه بشكل مخيف، والاحتباس الحراري يزداد تفاقما، وغاباتنا تندثر وآبارنا وأنهارنا تجف.
ومع ذلك لا نبالي.. مع أننا نشبه من يطلق الرصاص على نفسه!