الرأي

إدمين يكتب: حقوق الإنسان باعتبارها خدمة تنموية شاملة

 

عزيز إدمين

 

من المقرر أن تنطلق الدورة 42 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف خلال الفترة الممتدة ما بين 9 إلى 27 شتنبر الجاري، ومن الموضوعات التي ستشكل محور النقاشات رفيعة المستوى، وفق ما جاء في العناصر الكبرى لتقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان، موضوعات من قبيل: حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل، الحق في التنمية، الحقيقة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار، بالإضافة إلى محاور أخرى كالحكم المحلي وحقوق الإنسان الذي بموجبه تلتزم الجهات المحلية بتنفيذ البرامج الحكومية في مجال إعمال الحقوق.

 

هذه مجرد جزء من المحاور المتعددة التي ستناقش في الدورة القادمة في مجلس حقوق الإنسان، وذلك في ترابطها بشكل عضوي مع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مما يبين أن المنتظم الدولي لم يعد يقتصر في الأجوبة عن الحقوق المدنية والسياسية، بل أصبح يولي أهمية كبرى لمسببات انتهاكات الحقوق من فقر وعدم الشفافية والتدبير والتشارك المحلي في الشأن العام، وهو ما يعني صراحة أن العدالة لم توجد فقط للنطق بأحكام القانون بل يتعلق الأمر في ماهيتها المتمثلة في إحقاق الحقوق وحماية الكرامة والحرية…

 

بدأت هذه المقدمة بالنظر إلى كون المسؤولين عن "أمننا الحقوقي"، يختزلون حقوق الإنسان فقط في مجرد تقارير وتقارير مضادة، والردود على مواقف المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، والتفاعل مع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، ويرتفع مستوى الإنذار عندها فقط في القضايا المتعلقة بالممارسات المدنية والسياسية، ولكن لم تستطع بعد أن تستوعب التحولات العالمية السريعة التطور في هذا الحقل.

 

لقد تجاوزت مسألة حقوق الإنسان مجرد كونها ترفا فكريا، بل أضحت معيشا يوميا للمواطن، تتدخل في تنمية البلدان، ومرتكز المصالحة والعدالة، وآلية من آليات اللاتمركز الإداري والجهوية، بل إنها خدمة عمومية ينبغي على الدول تقديمها لمواطنيها.

 

وبالعودة إلى بداية التسعينيات، خاصة بعد سقوط جدار برلين، كانت حقوق الإنسان لدى بعض الدول مجرد خطاب تسويقي للخارج، لتبيان التموقع في النظام العالمي الجديد، أما الآن فإن حقوق الإنسان تطورت لتزعزع أيضا القانون الدستوري المقارن، بأن تحولت عدد من دساتير فصل السلط ودساتير التنظيم السياسي إلى دساتير صك الحقوق.

 

وفي هذا السياق، يمكن مراجعة دستور المغرب لسنة 1992 الذي احتوى على مجرد جملة فريدة في ديباجته، والتي جاء فيها: "المغرب يلتزم بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا"، ومقارنته مع دستور 2011 الذي وصف من قبل عدد من أساتذة القانون الدستوري بوثيقة الحقوق.

باستثناء المشرفين على الحقل الحقوقي المغربي، والذين لايزالون يشتغلون بعقلية ما بعد الحرب الباردة وبأدواتها التسويقية للخارج عوض أن تكون الحقوق والحريات أجوبة تنموية متجسدة في احترام كرامة المواطن المغربي وعدالة قضيته.

 

وبالرجوع إلى المطبخ الحقوقي المغربي الداخلي، ففي اللحظة، التي فُتح النقاش، منذ سنة 2008، حول ضرورة وضع خطة وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان تحت إشراف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وبمشاركة الأطراف الحكومية والجمعيات الحقوقية، نجد أن هذا المسلسل توقف منذ سنة 2011 لعدة أسباب أهمها التجاذب بين وزارة العدل والحريات والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في ما يتعلق أولا بالإشراف على الخطة الوطنية، وثانيا عدم النزول عن المتفق عليه في النسخة الأولى منها.

 

إلا أن وزير العدل والحريات السابق، تمسك بالإشراف الشخصي على الخطة، وبعد صفته الوزارية الجديدة، وزير الدولة لحقوق الإنسان، فقد استمر على نفس النهج، كما أنه حوّل كل المقتضيات المتعلقة بمجال الحريات الفردية وحقوق المرأة والاعدام إلى قضايا خلافية، غير معنية بها الحكومة الحالية.

 

ولكن ما لم يمكن استيعابه، أنه في فترة التجاذبات بين الوزير والحركة الحقوقية المغربية، والحديث عن خطة وطنية 2018–2021، نجد أن الوزير قدم لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان "خطة وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان 2011-2016"، لم يعلم بها أي مكون من مكونات المجتمع المدني والحقوقي والنسائي المغربي.

 

يتقاطع هذا السلوك مع ما صرح به الناطق الرسمي باسم الحكومة، عقب اجتماع المجلس الحكومي ليوم 29 غشت 2019، إذ اعتبر أن انتقادات الحركة الحقوقية لعزم الحكومة على المصادقة على "عهد حقوق الطفل في الإسلام" رغم كل الحجج والأسانيد من القانون الدولي ومن القانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور المغربي، اعتبرها السيد الخلفي بجملة شاردة: الحجج غير مبنية على أساس قانوني أو حقوقي.

 

ومع ذلك نضيف للسيد الناطق الرسمي، أن ما توصلت إليه الحركة الحقوقية، بناء على بلاغ الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان لمنظمة التعاون الإسلامي، تختتم أعمال دورتها العادية الخامسة عشرة، المنعقدة في جدة، خلال الفترة من 21 إلى 25 أبريل 2019، والمنشور بموقعها بتاريخ 25/04/2019 ما يلي: "في هذا الإطار، أفادت الهيئة أن نهج اللجنة الفرعية في هذه العملية كان قائما على مراجعة العهد مادة تلو الأخرى، مستندة في ذلك إلى المساهمات التي تقدم بها أعضاء الهيئة، حتى تم اعتماد المسودة الأولى للوثيقة المنقحة، والتي ستطرح مرة أخرى لمزيد من الاستعراض خلال الدورة القادمة للهيئة".

 

وهنا نتساءل: هل سيصادق المغرب على اتفاقية يعتبر أصحابها غير مقتنعين بها من الأصل؟

 

قد تكون أسوأ وقد تكون أفضل، والاحتمال الوارد هو الاسوأ، إذ نجد داخل نص نفس البلاغ: "بيد أنها (أي الهيئة) حذرت في ذات الوقت من مواقف بعض هذه المنظمات التي تحاول إدخال وتعزيز مفاهيم مثيرة للجدل، مثل الحقوق الجنسية والإجهاض وسوء استعمال مصطلح "النوع/الجنس" وما شابه ذلك".

(كاتب وناشط حقوقي)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى