الرأي

منتصر حمادة يكتب لـ”الدار”: أسئلة مشروعة حول المآزق الأخلاقية عند الحركات الإسلامية

منتصر حمادة

لماذا كل هذا التركيز على المآزق الأخلاقية عند الحركات والأحزاب الإسلامية في المغرب؟ سؤال طالما توصلنا به في لقاءات أو جلسات مع أصدقاء، متضمناً بدوره أسئلة فرعية، من قبيل: هل هناك مشكلة لبعض الإسلاميين مع المرأة أو الجنس؟ وماذا عن باقي المشاريع الإيديولوجية؟ ألا تعاني بدورها من مشاكل في السياق ذاته، وبالنتيجة، مؤكد أن هناك قضايا أخلاقية نادراً ما يتم الكشف عنها.

لا يمكن الجزم بوجود أجوبة نهائية في معرض الرد على هذه الأسئلة، لأن هناك قواسم مشتركة يصعب الفصل بينها، أقلها الحضور الوازن للعقلية الذكورية، في تجليتها السلبية بالتحديد، ولكن هناك فوارق أيضاً، في معرض الحديث عن حضور سؤال المرأة في العقل الإسلامي الحركي، مقارنة مع السؤال ذاته، في باقي العقول.

وقس على ذلك موضوع سؤال الجنس، لأنه لا يمكن حصر المآزق الأخلاقية المرتبطة بالجنس، بالتحديد عند مشروع إيديولوجي دون غيره، لولا أن هناك ميزة تهم الإسلاميين، تفسر بعض أسباب تسليط الأضواء على الموضوع، لذلك، سنقتصر هنا على إشارات.

معلوم أن المآزق الأخلاقية أو المسماة إعلامياً "الفضائح الأخلاقية" لا ترتبط بإيديولوجية ما دون غيرها، بقدر ارتباطاها بالإنسان، لأنه بشر، معرض للسقوط في هذا المأزق، مع استثناء حالة الأنبياء والرسل وأهل الورع الشديد، أو "خاصة الخاصة" حسب التعبير الصوفي، وهؤلاء قلة أساساً، إضافة إلى أنهم لا يكشفون عن أنفسهم أمام العامة، بل إن المتديّن الصوفي الذي يعمل بمقتضى الخطاب الصوفي، يرفض أن يكشف عن نفسه، بمقتضى احترام بعض مقتضيات الإخلاص، فالأحرى الحديث عن "خاصة الخاصة".

وبالنتيجة، لا يخلو أي مشروع إيديولوجي ما، من وجود هذه القضايا، حتى لو زعم الطهرانية، وهنا ممكن العطب النظري عن الإيديولوجية الإسلامية الحركية، لأنها تدعي الطهرانية، متحدية السنن الكونية التي أشرنا إليها سلفاً، وهي أن هذه المآزق الأخلاقية لصيقة بالإنسان، وهذا عينُ ما اعترف به الداعية طارق رمضان مؤخراً، بعدما كان ينفي الأمر في بداية الكشف عن قضيته هناك في فرنسا.

ولأننا نتحدث عن الإيديولوجية الإسلامية الحركية، في نسختها السياسية بالتحديد، فلو افترضنا أنها تعج بأهل الورع والتقوى، ما كان لهؤلاء أن يطبقوا الصمت عن حالات الفساد المالي والإداري التي تورط فيها العديد من أعضاء الإيديولوجية في المغرب، وبشهادة أهل الإيديولوجية، وقس على ذلك التورط في المآزق الأخلاقية.

وعِوَض طرق باب الصمت، وعدم مزايدة هذه الإيديولوجية على العامة والخاصة في الطهرانية وادعاء المرجعية الأخلاقية وما إلى ذلك، نجدها مصرة على توزيع "مؤشر الأخلاق"، بينما لا تنتبه إلى كم تلك القضايا داخل التنظيم، والتي يتم الكشف عن بعضها بين الفينة والأخرى، مع الإشارة الضرورية في هذا المقام، إلى أن هذه الإيديولوجية محظوظة بمقتضى عدم الكشف عن جميع الحالات، كما هو الحال، من كثرة القضايا التي سُلطت عليها الأضواء من جهة، ومن هول القضايا التي لم يتم تسليط الضوء عليها.

لقد اتضح أن بعض المآزق الأخلاقية، كانت أسباب الكشف عنها مرتبطة بصراعات تنظيمية حول الظفر بمناصب سياسية داخل المشروع، ولا علاقة لها قط بموضوع "المؤامرة" أو "التربص بأخطاء المشروع"، كما يدعي خطاب الإيديولوجية في الإعلام التقليدي والرقمي، فالأحرى مع ما تقوم به الكتائب الإلكترونية التابعة للإسلاموية.

ففي معرض الكشف عن إحدى القضايا الأخلاقية داخل التنظيم، والتي تمّ تسريبها لوسائل الإعلام عبر أحد أعضاء التنظيم، وجد الرأي العام نفسه أمام معضلتين: تتعلق الأولى بالواقعة ذاتها، أي القضية وتبعاتها، والتي أفضت حينها إلى إقالة القياديين المعنيين بها؛ بينما تتعلق الثانية بدلالة الإفراج عن الواقعة في إطار تصفية الحسابات، بمعنى أننا إزاء عقل إسلامي حركي، لم يشعر بأي حرج، وهو يوظف قضية أخلاقية في المشروع الذي ينتمي إليه، من أجل تصفية حسابات شخصية، لعله يظفر بمنصب سياسي لاحقاً على إثر إقالة المنافس على المنصب ذاته.

لنتوقف عند واقعة داعية أوربي شهير، وهو باحث أيضاً، والحديث عن "واقعة طارق رمضان".

ما كان الرأي العام الإقليمي والأوربي أن يُعير كبير اهتمام للواقعة، لو أنه لم يكن يُروج الخطاب الإسلامي الأخلاقي في أعماله ومحاضراته ومواقفه، بل إنه يُدير مركزاً بحثياً خليجياً، يُعنى بقضايا الأخلاق والتشريع، لأنه مؤكد وجود باحثين آخرين، ينهلون من إيديولوجيات مغايرة، لا علاقة لها بالمرجعية الإسلامية الحركية (الدعوية أو السياسية أو القتالية)، ولديهم علاقات جنسية خارج دائرة المعلوم، بما في ذلك علاقات شاذة، ولكن لا أحد يؤاخذ هؤلاء على هذه الاختيارات الشخصية، طالما لا يدعي هؤلاء أنهم إسلاميون أم أخلاقيون أو شيء من هذا القبيل، وطالما أيضاً، لا يُرجون هذا الخطاب في أعمالهم ومحاضراتهم.

وهذه إشارة لا زال العقل الإسلامي الحركي مصراً على عدم التفطن إليها، ولو فعل ذلك، فقد يأخذ بعض أتباع هذا المشروع مسافة من المشروع برمته، بمعنى قد يتوقفون عن رقع شعار "أسلمة المجتمع" و"أسلمة النظام" و"أسلمة الدولة"، كما تروم ذلك أغلب الحركات الإسلامية منذ تأسيس الحركة الأم في مصر ابتداءً من عام 1928.

هناك قاعدة ذهبية في هذا السياق، على العقل الإسلامي الحركي الانتباه إليها، وإلا سيورط نفسه مراراً في الظفر بقليل أو كثير ثقة المجتمعات والأنظمة والدول، وهي الثقة المنعدمة حالياً، لاعتبارات أخرى، وليس موضوع "القضايا الأخلاقية" إلا واجهة مغذية لفقدان هذه الثقة.

تفيد هذه القاعدة أنه في اللحظة التي يدعي فيها خطاب مّا، "المرجعية الإسلامية" أو "المرجعية الأخلاقية" وما إلى ذلك، ابتداء من تلك اللحظة بالذات، يُعرض نفسه من حيث يدري أو لا يدري للمتابعة الغيبية المستمرة، وما هي سوى مسألة زمن حتى تظهر النتائج على أرض الواقع، من حيث يدري أو لا يدري.

لا يُفيد الخطاب الإسلامي هنا بالضرورة الخطاب الصادر عن فاعل إسلامي حركي مثلاً، فهؤلاء جزء من المنظومة، وإنما يُفيد كل من يدعي ذلك، سواء تعلق الأمر بمؤسسة دينية، حركة إسلامية، مفكر إسلامي حركي، طريقة صوفية، تيار سلفي.. إلخ، سواء تعلق الأمر بقلم أو مؤسسة أو تيار أو منظومة أو ما شابه، لولا أن التركيز الذي يدور في فلك الإسلاميين مرده إصرارهم الصريح على رفع هذه الشعارات، والتلويح بها على أساس أنهم يُجسدونها على أرض الواقع أكثر من باقي الفاعلين في الحقل الديني (مؤسسات دينية، طرق صوفية.. إلخ)، إضافة إلى أن هؤلاء، أي مختلف الفاعلين في الحقل الديني، لا يزايدون على العامة والخاصة، بقدر ما يتمحور خطابهم حول الوعظ والتوجيه والإرشاد، كما هو الحال مع المؤسسات الدينية، أو التذكير بأخلاق التزكية والتربية، كما هو الحال مع الطرق الصوفية.

رُبّ معترض، كما أشرنا في مقالة سابقة، أنه في حالة طارق رمضان مثلاً، كانت هناك مؤامرة ضده، كما روجت لذلك الكتائب الإلكترونية الإسلاموية، أو كما دافعت عنه العديد من الأقلام البحثية والإعلامية، في أوربا والمنطقة، والحال أنه اعترف بتلك المآزق لاحقاً، وبالتالي كان هؤلاء في غنى عن رفع شعار المؤامرة بعد صدور تلك الاعترافات، ولو لم يكن يُروج الخطاب الإسلامي والأخلاقي، ما كانت حالته تثير كل هذا النقاش والجدل.

لا يتعلق الأمر هنا بهذه الحالة أو غيرها، وإنما بعديد ظواهر، وأقلام فكرية وغيرها، لا زالت مصرة على رفع هذه الشعارات، والمزايدة على شعوب المنطقة في "الأسلمة" و"الأخلاق" كما لو أن هذه الشعوب ناقصة دين وناقصة أخلاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + 11 =

زر الذهاب إلى الأعلى