أخبار دولية

دبلوماسية الصين في عصر كورونا: منقذ عالمي أم «ذئب محارب»؟

تلعب الصين دورين في المعركة العالمية ضد فيروس «كورونا المستجد»، فهي من ناحية مانحة المساعدات من دون مقابل وتملأ بذلك الفراغ الأميركي في هذا المجال، ومن ناحية ثانية القوة العظمى المستعدة للرد بعنف على الانتقادات.

وولت أيام دبلوماسية الظل التي روج لها الزعيم الراحل دنغ شياوبينغ، القائل إن بكين يجب أن «تخفي قوتها وتتمهل»، وفق وكالة «فرانس برس». وتغيرت المواقف في ظل الرئيس شي جينبينغ، الذي دفع بسياسة خارجية قوامها الثقة بشكل متزايد منذ توليه منصبه في عام 2012.

وأصبحت البلاد أكثر حزما هذا العام بمواجهة الانتقادات على طريقة تعاملها مع الوباء، الذي بدأ على أراضيها في ديسمبر الفائت. أرسلت بكين طائرات محملة بالمعدات الطبية إلى الخارج، وتعهدت بتقديم ملياري دولار من المساعدات الدولية لمكافحة «كوفيد-19»، وعرضت إتاحة لقاحها المحتمل للجميع.

وتنسجم هذه الاستراتيجية مع استخدام الصين لقوتها الاقتصادية لكسب الأصدقاء على الصعيد الدولي في وقت يتوسع فيه أيضاً تأثير مشروع شي للبنية التحتية العالمية «الحزام والطريق» في الخارج. وأوضحت جوسلين شي، وهي دبلوماسية أسترالية سابقة وأستاذة زائرة في جامعة سيدني، في حديث لوكالة «فرانس برس» أن «المساعدة الصينية، على غرار (مساعدات) الدول الأخرى، جزء من قوتها الناعمة ولها أيضا أهداف تجارية وسياسية».

وقال شي إن هذه السياسة أثبتت نجاحها في معركة الصين من أجل النفوذ مع تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي، وفي تأمين الدعم ضد انتقاد تعاملها مع الأقليات المسلمة في مقاطعة شينجيانغ الواقعة في أقصى غرب البلاد. في المقابل، ورغم كرم هذه السياسة الاقتصادية، إلا أنها تختلط بنهج الصين الصدامي الجديد مع خصومها الجيوسياسيين بما في ذلك الولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا. وهو ما يجعل الأمر بمثابة معركة علاقات عامة محفوفة بالمخاطر.

لخص وزير الخارجية وانغ يى الأحد في مؤتمر صحفي موقف الصين، بقوله «نحن لا نختار القتال أبدا ولا نستقوي على الآخرين ولكن في الوقت نفسه لدينا مبادئ وشجاعة». وتابع «سنقاتل بالتأكيد ضد أي افتراء خبيث للدفاع عن الشرف والكرامة الوطنيين».ومنذ العام الماضي، أطلقت بكين العنان لمجموعة من دبلوماسيي «الذئب المحارب»، يستخدمون تويتر للدفاع عن الدولة التي يقودها الشيوعيون والترويج لها، متجاهلين المفارقة المتمثلة في حظر منصة التواصل الاجتماعي في الصين القارية.

ويأتي لقب «الذئب المحارب» من عنوان فيلم صيني ضخم حول جندي من القوات الخاصة يشبه شخصية رامبو في سلسلة الأفلام الأميركية من بطولة سيلفستر ستالون. ومهمة هذا «المحارب» قتال المرتزقة الأجانب. وأثار عضو بارز في فريق «الذئاب» وهو الناطق باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان الدهشة من خلال ترويجه لنظريات المؤامرة بأن الجيش الأميركي ربما جلب الفيروس إلى الصين.

كما غذا الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشاعر القومية في الصين من خلال وصف الوباء بأنه «الفيروس الصيني»، وحديثه عن نظرية أنّ الفيروس نشأ في مختبر في مدينة ووهان. وتمر العلاقات بين البلدين بمرحلة صعبة بالفعل على وقع حرب تجارية مؤلمة، وحذر وانغ من أن بعض القوى السياسية الأميركية تدفع الطرفين «إلى حافة حرب باردة جديدة». وقال المعلق السياسي المستقل في بكين هوا بو لـ«فرانس برس»: «بعد وصول ترامب إلى السلطة، لم تتمكن الصين من التهرب من السياسات القمعية التي تبناها ضدها، وما عاد ممكناً لها البقاء بعيدة عن الأضواء».

ليست الولايات المتحدة الهدف الوحيد لغضب بكين. في أستراليا، هدد السفير الصيني بمقاطعة المستهلكين للمنتجات الأسترالية بعدما دعت كانبيرا إلى إجراء تحقيق مستقل في منشأ وأسباب انتشار فيروس «كورونا». واستدعت وزارة الخارجية الفرنسية الشهر الماضي سفير الصين في باريس بسبب رسالة على موقع السفارة انتقدت رد الغرب على الوباء. وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الاثنين إنّ التكتل المكون من 27 دولة يجب أن يتبنى استراتيجية «أكثر قوة» ضد العملاق الآسيوي.

وأضاف بوريل في كلمة أمام سفراء ألمان أن «الصين تزداد قوة وحزما وصعودها مثير للإعجاب والاحترام ولكن يثير أيضًا العديد من الأسئلة والمخاوف». ويرى مدير المعهد الصيني في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن ستيف تسانغ أن سياسة بكين الخارجية مدفوعة أولاً بمصالح الحزب الشيوعي الحاكم وأولوياته للبقاء في السلطة، خاصة مع اختبار أزمة كوفيد-19. وتابع تسانغ أنّ «الدعاية العدوانية ودبلوماسية المحارب الذئب قلبت الكثيرين في الغرب ضد الصين ولكن هذا مجرد ثمن يجب دفعه مقابل هدف أكثر أهمية لسياسة الصين».

وفيما قد تثمر هذه السياسة داخليا، إلا أنّ كسب الأصدقاء على الصعيد الدولي قد يكون أكثر صعوبة. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة باكنيل في بنسلفانيا تشي تشيون تشو إن الصين «تواجه معركة شاقة لتحسين صورتها الدولية». وأكد «لا أعتقد أن الصين قد فازت في معركة العلاقات العامة لأن القوة الناعمة للصين ضعيفة وروايتها تعتبر إلى حد كبير دعاية رسمية».

المصدر: الدار ـ  وكالات

زر الذهاب إلى الأعلى