إسلاميات.. تزييف الوعي باسم الدين: المشروع الإخواني نموذجاً (3/3)
منتصر حمادة
توقفنا في مقالة أول أمس ومقالة أمس، عند نموذج تطبيقي، يهم تزييف الوعي الصادر عن المشروع الإخواني في الساحة الفرنسية، والذي يحظى بدعاية إعلامية، محلية وإقليمية.
ونُعرج على نموذج آخر، يهم حقيقة تأثير تغيير إسم الفرع الفرنسي للمشروع الإخواني، من “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” إلى “اتحاد مسلمي فرنسا“، انطلاقاً من النسخة الموالية لمعرض لوبورجي، أي الدورة 35 لعام 2018، حيث يُفترض نظرياً، أن تكون معالم المعرض في نسخة 2018 مختلفة مقارنة مع نسخة 2017، والأمر نفسه بخصوص لائحة المحاضرين والمشاركين في ندوات المعرض، وإذا صحّ أن كانت هناك تحولات فعلاً، في موضوع أروقة المعرض، أي الانفتاح على عدة مرجعيات إسلامية، والأمر نفسه بخصوص المشاركين في المحاضرات والندوات، أي الانفتاح على مرجعيات أخرى، غير المرجعية الإخوانية ومرجعية “اليسار الإسلامي” المتحالف مع الإخوان أو المدافع عنهم، حينها، يمكن الحديث عن تحول كمي ونوعي في خطاب الاتحاد، ولو إنه هذا التحول لن يكون مانعاً من الاعتراض على الإسم الجديد، أي “اتحاد مسلمي فرنسا“، أياً كان أصحاب المبادرة، سواء تعلق الأمر بالإخوان أو السلفيين أو الصوفيين، لأن المسلمين في فرنسا، لا يمكن اختزالهم في جمعية أو حزب أو إيديولوجية، على غرار ما نعاين في دول المنطقة العربية، فلا يوجد مجتمع عربي، في دول مغاربة أو خليجية أو مشرقية، طالب طريقة صوفية أو حركة إخوانية أو تيار سلفي بأن يتولوا مهمة النطق باسمهم. والأمر نفسه إذن في الساحة الفرنسية مع الجالية المسلمة.
من خلال إطلالة عابرة على معالم أروقة المعرض لعام 2018، أو طبيعة الأسماء المشاركة في المحاضرات والندوات، وأخذاً بعين الاعتبار السياق الزمني لانعقاد الدورة 35 من المعرض، بين 30 مارس و3 أبريل 2018، نخلص إلى ما يلي:
ــ لم تتغير معالم أروقة المعرض مقارنة مع السائد في السنوات الماضية، فمن جهة هناك حضور لشركات ومؤسسات تشتغل في مجال عرض المنتجات التي تهم أكثر الجالية المسلمة، ونجد عدة مرجعيات وراء هذه الشركات والمؤسسات، سواء كانت إسلامية حركية أو مرجعية أخرى، لأن الهاجس الاقتصادي هنا هو المحدد الأهم في كسب الزبائن، وإن كان الخطاب الديني يُفيد كثيراً في سياق كسب نسبة أكبر من الزبائن، كما اشتغلت على ذلك بعض الأعمال المرجعية في الموضوع، لعل أهمها كتاب “إسلام السوق” للباحث السويسري المسلم باتريك هايني.
ــ من بين الأروقة التي تؤكد هيمنة المرجعية الإسلامية الحركية في أروقة المعرض، وبالتالي تفيد أن تغيير إسم الفرع الفرنسي للمشروع الإخواني لا يُفيد تغييراً في المرجعية الإيديولوجية، نجد أروقة خاصة بالحركات الإسلامية، أو الرواق الخاص بالدفاع عن الداعية والباحث طارق رمضان، على اعتبار أن تاريخ تنظيم المعرض، تزامن مع متابعة قضائية، كان على إثرها في حالة اعتقال، قبل الإفراج عنه في لاحقاً بعد اعترافه ببعض ما نُسب إليه من اتهامات.
ــ تميزت الدورة أيضاً باستبعاد بعض الأصوات المحسوبة على التنظيم، ولكنها تؤمن بالنقد الذاتي، وهو خيار مستبعد عموماً في التنظيمات الإيديولوجية، ومنها التنظيمات الدينية الإيديولوجية، من قبل المشروع الإخواني، ومن بين هذه الأصوات، الباحث أوميرو مارونغي ــ بيريا، وهو باحث فرنسي اعتنق الإسلام عبر البوابة الإخوانية، ولكنه ظلّ وفياً للنزعة النقدية في الساحة الفرنسية، ومن تطبيقات تلك النزعة، أنه أسابيع قبل انعقاد الدورة 35 من معرض الإخوان، نشر مارونغي ــ بيريا، مقالة نقدية في موقع “أمة. كوم” المحسوب أو المقرب من المرجعية الإسلامية الحركية في الساحة الفرنسية، على هامش تفاعله مع المتابعة القضائية التي طالت طارق رمضان، منتقداً ما اصطلح عليه حينها بـ“الاستراتيجية الانتحارية لأتباع طارق رمضان“، ويقصد شعارات مضامين الحملات التضامنية مع طارق رمضان، وهذا عينُ ما جرى في تلك النسخة من المعرض، مما كان سبباً ضمن الأسباب التي حالت دون توجيه الدعوة إليه من أجل المشاركة في محاضرات وندوات المعرض، ضمن أسماء أخرى طالها المنع أيضاً كما جاء في إحدى المتابعات الإعلامية.
في سياق تسليط الضوء على تلك “الاستراتيجية الانتحارية لأتباع طارق رمضان“، نوّه عمار الأصفر في المعرض نفسه، بـ“النموذج الثقافي” الذي يُجسده طارق رمضان بالنسبة لمسلمي فرنسا، بل اعتبر أنه “حتى لو تمت إدانته، فن ذلك لم يُؤثر على فكره” لدى الجالية.
ــ في إطار تكريس الازدواجية في الخطاب تلك التي تميز الخطاب الإخواني كلما تعلق الأمر بالخوض في ثنائية الدين والسياسة، اعتبر عمار الأصفر أيضاً أن منظمته يُحسب لها أنها كانت “منخرطة دوماً في الشق الديني وليس الشق السياسي، لأن الاشتغال في المجال السياسي، مُضر بالإسلام، ولذلك نحن نتبنى إسلاماً في إطار العلمانية“.
الشاهد هنا، من خلال هذه المقارنة الأولية بين شعارات ومضامين دورة 2017 الخاصة بـ“اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” ودورة 2018 الخاصة بتنظيم جديد من صلب التنظيم القديم، يُفترض أن يُعيد النظر في الخطاب والممارسة، تعبيراً منه عن تبني مراجعات حقيقية، ويحمل شعار “اتحاد مسلمي فرنسا“، هو أننا إزاء التنظيم نفسه: تغير الإسم، وبقيت الهياكل كما هي، والأمر نفسه مع الخطاب والممارسة، خاصة أننا نتحدث عن تنظيم يملك 285 جمعية تابعة له، ويتحكم في تدبير 54 مسجد في فرنسا، مستغلين بذكاء “الفراغ في العرض الديني الذي ميز أداء المؤسسات الدينية حديثة التأسيس، والتي كانت مقربة من الدول المغاربية، فكانت النتيجة أن الشباب شرع في البحث عن بدائل، وكما لاحظ برنارد غودار، أحد أهم خبراء المتتبعين للساحة الإسلامية في فرنسا، بحكم اشتغاله في وزارة الداخلية على الموضوع، فإن اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا، قام بدور الوساطة لدى هؤلاء الشباب، وخاصة عبر بوابة معرض لوبورجي، الذي كان يسمح للشباب الزائر أو المشارك، التعرف على مراجع دينية كانت شهيرة حينها، وفي مقدمتها يوسف القرضاوي، الذي كان برنامجه “الشريعة والحياة” على فضائية الجزيرة، يحكى بمتابعة كبيرة“.
نحن نعاين بعض نتائج عمل ميداني قائم منذ أربعة عقود، بدأ في سنة 1983، بمبادرة من طالبين عراقي وتونسي كانا من أتباع الداعية اللبناني فيصل مولوي، أحد رموز المشروع الإخواني، قبل أن يتطور المشروع في فرعه الفرنسي، مباشرة بعد ذلك، إلى تقسيم “المجال الفرنسي إلى ثلاثة أقسام: المنظمات النضالية التي تمثل المشروع الإخواني على صعيد الجهة، المنظمات المتعاطفة مع المشروع ولكنها لا تدير مؤسسات أو مقرات، وأخيراً، الجمعيات المنخرطة في شراكة مع التنظيم، حيث تجسد مُجمل هذه الأقسام الثلاثة، مَجَرة تستهدف الرأي العام في تنوعه، ولكنها تتميز بالحضور في شتى المجالات الحيوية، من قبيل المنظمات الشبابية والطلابية (شباب مسلمي فرنسا)، والنسائية، مع الرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة، وحتى المجال الإنساني، والمجال الطبي، إضافة إلى المجال الديني مع جمعية أئمة فرنسا“، حسب قراءة الباحث الفرنسي كزافيه ترنسيان، المتتبع هو الآخر بشكل رصين للساحة الإسلامية في فرنسا.