قراءة بحثية فرنسية في الإسلاموية المغربية والمشرقية
منتصر حمادة
“الإخوان المسلمون: منظمة في مواجهة تحدي السلطة” هو عنوان الملف الخاص الذي نشرته مجلة “الشرق الأوسط” الفرنسية، وهي مجلة فصلية تعنى بالدراسات الاستراتيجية وأوضاع مجتمعات المنطقة العربية بالتحديد. وجاء الملف موزعاً على 56 صفحة، متضمناً افتتاحية ومجموعة دراسات ومقالات. [ العدد 52، أكتوبر ــ ديسمبر 2021].
بما أن المجلة متخصصة في القضايا الاستراتيجية المرتبطة بالمنطقة العربية، فإنه سبق لها أن خصصت عدة ملفات حول أداء العديد من دول المشرق والمغرب والخليج العربي، أو ملفات حول صراعات المنطقة، الظاهرة الجهادية، ضمن ملفات أخرى، ولكن لم يسبق لها أن نشرت ملفاً حول جماعة “الإخوان المسلمين”، لهذا يُعتبر العدد سابقة في إصدارات المجلة.
افتتح الملف بخريطة تستعرض معالم الحضور الإخواني في المنطقة العربية وأوربا والشرق الأوسط بشكل عام، ومعها رسم بياني يوضح هرم التنظيم من المرشد العام إلى أبسط خلايا التنظيم.
ويلي الخريطة والبيان حوار مطول من ست صفحات مع دومينيك أفون، وهو مؤرخ ومدير الدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا بباريس، ومدير معهد دراسات الإسلام ومجتمعات العالم الإسلامي، مع ملاحظة أن الحوار كان مؤسساً على أرضية العلوم السياسية، وتضمن ما يُشبه جولات في تاريخ الجماعة، وتفرعاتها وأداءها في المنطقة، وغابَ عنه التحليل النوعي، كأنه موجه إلى القارئ غير المتخصص الذي يريد أن يأخذ فكرة أولية عن المشروع، حتى إن عنوان الحوار جاء كالتالي: “بين السلطة والقمع: جذور وتحولات الإخوان المسلمين”. ونقرأ بعد الحوار، مقالة حول واقع الإخوان المسلمين في إفريقيا الشمالية، مع تركيز على أربع حالات: مصر، تونس، الجزائر والمغرب، بقلم المؤرخة آن كليمانتين لاروك، ومن هذا المقال، نقتبس الخلاصات التالية:
ــ صعود أسهم العلاقات التركية الإخوانية ليست صدفة، لأنه يأتي في سياق نتائج أحداث يناير 2011 من جهة، وظهور تنظيم “داعش”، ومن هنا انخراط الرئاسة التركية في مساندة الأحزاب الإخوانية في شمال أفريقيا، والتورط في ما يُشبه دعم الجهاديين.
ــ انخراط الأحزاب الإسلامية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، جعلها تأخذ مسافة نسبية من التنظيم الأم في مصر، دون أخذ مسافة من إيديولوجيا التنظيم.
ــ في الحالة المغربية، وبعد الحضور القوي في الساحة لإخوان حزب “العدالة والتنمية”، تعرضوا لهزيمة تاريخية في انتخابات 8 سبتمبر 2021، ولكن هزيمة الإخوان لا تفيد بالمرة نهاية المشروع.
أما ديديي لورا، باحث في المعهد الملكي للدفاع ومقره بلجيكا، فقد نشر مقالة بعنوان “مصر: عقد من تقزيم المشهد الإسلاموي”، خلُصَ فيه إلى أن إخوان مصر يمرون من مرحلة فراغ وأن وضعهم أشبه بالعبور في الصحراء القاحلة، متوقفاً عند تقييم أداء فترة تدبير الحكم على عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ملاحظاً أن أحد أهم أخطاء الإخوان المسلمين على الصعيد الوطني في هذه المرحلة الحساسة، جسّدها الانتقال السريع من مرحلة مهادنة المؤسسة العسكرية نحو مرحلة الصدام المباشر معها.
هذا عن أداء التيار الإخواني، أما أداء التيار السلفي في مصر، فاعتبر الباحث عن مشاركة نسبة من السلفيين في العملية الانتخابية، عبر بوابة “حزب النور” على الخصوص، كانت أشبه بسراب مرّت منه التجربة السلفية المصرية، دون أن يُفيد ذلك أن الدولة المصرية تضيق الخناق على التيار السلفي، بل اعتبر أن العكس هو القائم، مادامت الأبواب مفتوحة لهذا التيار من أجل العمل الدعوي والوعظي؛ وبالنسبة لأداء التيار القتالي أو الجهادي، فقد اعتبر الباحث أن أداء الدولة المصرية لا يخرج عن شن حرب مفتوحة على كافة الجبهات ضد جميع الفصائل الجهادية، كما انتبه لدور الأعمال الفنية الدرامية من أجل تنوير الرأي العام بطبيعة المشروع الإسلامي الحركي، متوقفاً عند نموذج مسلسل “الاختيار” (الجزء الأول، 2020 والجزء الثاني 2021)، ضمن أمثلة أخرى.
أما سارة التونسي، الباحثة في معهد الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والإسلامي، فنشرت دراسة موثقة بالمراجع حول ظاهرة “النسوية الإخوانية”، بعنوان “الأخوات المسلمات: بين الثورة وتأكيد الوضع القائم”، مستعرضة تاريخ الظاهرة، ومنها مبادرات زينب الغزالي، مُفرقة بين أداء “النسوية الإسلامية” و”النسوية الإسلاموية”، كما توقفت عند ظاهرة الانشقاقات التي ميزت الظاهرة، إلى درجة التحق تيار منها بتيار “بنات الثورة” المناهض لفترة حكم الإخوان على عهد محمد مرسي، لولا أن أحداث صيف 2013 ستكون منعطفاً لهجرة العديد من عضوات التيار إلى الخارج، وخاصة إلى تركيا، قبل أن تخلص إلى أن وزن الظاهرة في المشروع الإخواني، لا يخرج عن التهميش إجمالاً، أو الإبقاء على مكانتهن كما سَطرتها أدبيات حسن البنا في ثلاثينيات القرن الماضي.
“الإخوان المسلمون وإغراء العنف في مصر ما بعد الثورة” هو عنوان مساهمة بحثية بالمراجع لبودوان لانغ، تخصص علم الاجتماع السياسي بجامعة باريس 1 ـ السوربون، وهو مؤلف كتاب “مصر: من مبارك إلى السيسي.. صراعات النظام وإعادة ترتيب السلطات” (2018)، وإن توقفت الدراسة أكثر عند أداء الحركات الإسلامية الجهادية في مصر، كما توقفت عند سيناريوهات أداء الإخوان بين خيار اللجوء إلى العنف أو خيار استثمار الإرث الثوري ضد النظام، أخذاً بعين الاعتبار أداء الجناح الإخواني الذي كان يدعو إلى المشاركة السلمية في تغيير النظام، على اعتبار أن صيف 2013 كان منعطفاً في أداء هذا الجناح، وقد خلُصَ الباحث إلى صعوبة التنبؤ بمؤشرات لجوء نسبة من أتباع الجماعة إلى خيار العنف، إما محلياً أو عبر الالتحاق بجماعات جهادية، لأن هذه مسألة تعرف تبايناً في القراءات داخل التنظيم.
أما أنكا مانطو، الباحثة في المعهد الوطني للأبحاث العلمية، والمتخصصة أكثر في الإسلاموية المغاربة، فشاركت بمقالة بمراجع أيضاً، بعنوان “تونس: حركة النهضة في مواجهة تناقضاتها”، والإحالة هنا على معضلة الجمع بين العمل السياسي والعمل الدعوي، خاصة بعد إعلان الحركة عن الفصل بين العملين في سنة 2017، وتوقفت الباحثة ملياً عند هذه المعضلة وقلاقل أخرى، منها ظهور منافسين إسلاميين للحركة، بما ساهم في إضعاف شعبية مشروع “النهضة” بقيادة راشد الغنوشي، ومما يقف أيضاً وراء ظاهرة الانشقاقات التي مرت منها الحركة في صيف 2021، وإن كان بعضها يبقى مقرباً من المشروع الإخواني.
بعد وقفات مع إخوان شمال إفريقيا، نقرأ في الملف وقفة مع إخوان الأردن وأخرى مع إخوان العراق”: في الأولى، نقرأ مقالة لكاميل أبيكات، المتخصصة في المشهد السياسي الأردني، حيث توقفت عند تواضع أداء المشروع الإخواني مقابل صرامة الدولة في تدبير الملف مما أفضى إلى تراجع المد الإسلاموي، دون التدقيق في مؤشرات التراجع، هل هي نسبة أو نوعية، وإن أوردت بعض الأرقام حول الموضوع، ذات الصلة بتراجع مساهمات إخوان الأردن في مجال العمل الأهلي؛ أما الوقفة الثانية الخاصة بإخوان العراق، فصدرت بقلم مريم بنراد، خبيرة متخصصة في قضايا الشرق الأوسط، وبالتحديد الملف العراقي، متوقفة عند المستقبل الضبابي للمشروع الإخواني في العراق، إلى درجة التعامل معه على أساس أن هذا الأداء كان الأكثر تواضعاً في المنطقة العربية مقارنة مع باقي الفروع الإخوانية، ملاحظة أن ضيق آفاق الاشتغال في الساحة العراقية، تدفع بإخوان العراق إلى البحث عن منافذ بديلة، وخصت بالذكر الساحة التركية والقطرية.
جاءت المواد الأخيرة من الملف مخصصة لواقع الأداء الإخواني في الساحة الأمريكية والفرنسية: فمع الساحة الأمريكية، نقرأ مقالة للباحث محمد علي العدراوي، المتخصص في الظاهرة الإسلامية الحركية في الساحة الأوربية على الخصوص، وبدرجة أقل الساحة الأمريكية، وكانت مساهمته عبارة عن ترحال في مسار العلاقات بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين، معتبراً أن هناك تباين أمريكي رسمي في التعامل مع الملف الإخواني، من قبيل التباين بين موقف دونالد ترامب وجور بايدن، ضمن أمثلة أخرى؛
أما المقالة الثانية، فقد حرّرها الباحث حواس سنيقر، المتخصص أيضاً في الظاهرة الإسلامية الحركية، وخاصة في الساحة الفرنسية، وهذا محور مساهمته في الملف، مع توقفه عند تيار أو ظاهرة “الإخوان المسلمون الجدد”، وخصّ بالذكر المشروع الإخواني في نسخته الفرنسية، وهذا ملف نادر التناول البحثي والإعلامي في الساحة العربية، ومن هنا أهمية هذه المساهمة لأنها توقفت عند طبيعة وأداء هذا المشروع، على عدة أصعدة، بما فيها المجال السياسي والثقافي والديني مع أن الأمر كان غائباً منذ بضعة عقود فقط، ولكن صعود أسهم الإسلاموية بشكل عام في فرنسا خلال العقد الأخير على الخصوص، يقف وراء شروع بعض الباحثين في الاشتغال عليه، ومن ذلك صدور هذا العدد الخاص حول المشروع الإخواني في المنطقة.