أخبار الدار

خبير أمريكي يرسم سيناريوهات نزاع الصحراء بعد استقالة كوهلر

المحجوب داسع، ترجمة عن معهد أمريكا للسلام

تدفع الحكومة الأمريكية بالمفاوضات لحل نزاع الصحراء المستمر منذ عقود، لكن التعقيدات الجديدة تؤكد الحاجة إلى خطوات إضافية. أثمرت ثمانية أشهر من الضغط الدبلوماسي الأمريكي عن جولتين من المحادثات الرسمية بين المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو، لكن الاحتجاجات الجماهيرية في الجزائر أجبرت رئيسها بوتفليقة على الاستقالة، كما قدم  الشهر الماضي، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، الألماني هورست كولر، استقالته من مهامه.

في هذا الحوار، المنشور بموقع المعهد الأمريكي للسلام، يشرح توماس هيل، الخبير في شؤون المنطقة المغاربية، أهمية هذه التحولات لمصالح الولايات المتحدة، ولبلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل وكيف يمكن تحقيق جهود السلام بوسائل أقل رسمية.

لقد توقف هذا النزاع منذ إقرار وقف إطلاق النار عام 1991، والذي ترجع جذوره إلى عام 1975 على الأقل. لماذا يهم هذا الصراع في منطقة الصحراء، الولايات المتحدة الأمريكية، ولماذا تعتبر اللحظة الراهنة مهمة؟

أنت على حق، هذا الصراع يعود الى استعمار إسبانيا لمنطقة الصحراء، حيث قاتلت حركة الاستقلال البوليساريو الناشئة في سبعينيات القرن الماضي. عندما انسحبت إسبانيا عام 1975، تنافس المغرب وجبهة وبوليساريو من أجل السيطرة على المنطقة. وافق المغرب على خطة الأمم المتحدة لعام 1991 لإجراء استفتاء حول مستقبل الإقليم، لكن بعد سنوات من النزاع حول من ينبغي السماح له بالتصويت، يرفض المغرب الآن هذه الفكرة. استثمرت الحكومة المغربية في الصحراء، مليارات الدولارات في النفقات العسكرية والبنية التحتية وصناعة تعدين الفوسفاط المربحة. بالنسبة للحكومة المغربية، يُنظر إلى الصحراء كرمز وطني مهم، لا يمكن فصله عن باقي البلاد. وتاريخيا، دعمت الحكومة الجزائرية جبهة بوليساريو، كما تستضيف صحراويين على أراضيها.

ولا يقتصر التوتر بين المغرب والجزائر على الصحراء. إن الفشل في إيجاد حل لقضية الصحراء يساهم في إغلاق الحدود المغربية الجزائرية، وفي التوترات الإقليمية. حاليا، تبقى المبادلات التجارية بين البلدين ضئيلة، مما يعيق النمو الاقتصادي والتنمية الإقليمية. وكان ينظر الى التكامل الاقتصادي الإقليمي في عهد الإدارات الأمريكية السابقة، بأهمية خاصة، كما أن البنك الدولي سبق وأن أكد مرارا على أن النزاع حول الصحراء عائق رئيسي أمام النمو.

تحتاج الولايات المتحدة والمنتظم الدولي إلى تعاون من جانب المغرب والجزائر، وفيما بينهما، لمواجهة المشاكل التي تواجه المغرب العربي ومنطقة الساحل المجاورة. تواجه كل دولة في هذه المناطق تقريبًا اضطرابات داخلية وتحديات للنمو الاقتصادي والعنف الشديد والاتجار بالبشر، والأسلحة وما إلى ذلك. انهيار ليبيا هو المثال الحي على ذلك. يتزايد سكان هذه المناطق، فيما يدفع الجفاف السكان الى الصراع حول الماء والأرض، كما نرى أن الجماعات المتطرفة مثل في كل من ليبيا وبوركينا فاسو و نيجيريا، تستغل هذه المشاكل. فالحدود بين المغرب والجزائر  ليست مناطق محصنة. كان ينظر العديد من الأميركيين في الماضي إلى النزاع حول الصحراء باعتباره شيئًا بعيدًا ولا علاقة له بمخاوفهم، لكن أصبح هذا النزاع يشكل مفارقة تاريخية في القرن الحادي والعشرين .

إذن ما هو الوضع الجديد، وما مقدار التغيير الذي أحدثته الولايات المتحدة؟

على مدى عقود، تم تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء،  بوتيرة سنوية دون مناقشة كثيرة. لكن في شهر أكتوبر، أصرت الولايات المتحدة على التمديد للبعثة لستة أشهر، على الرغم من معارضة فرنسا والمغرب وغيرها من البلدان. وأوضح مستشار الأمن القومي جون بولتون موقف أمريكا كجزء من "استراتيجية إفريقيا الجديدة" التي وضعها الرئيس ترامب لحل النزاعات، وليس تجميدها إلى الأبد. "للسفير بولتون تاريخ طويل في نزاع الصحراء وغالبًا ما كان يستنكر عجز البعثة في  إحراز تقدم حقيقي في الملف. فجأة، ولأول مرة في مهلة ثماني سنوات، أحيت الولايات المتحدة هذا الصراع الجامد، الذي يبدو أن العالم قد نسيه، وهو مايتضح من خلال المشاورات الرسمية التي عقدت بين أطراف النزاع في دجنبر ومارس الماضيين في جنيف.

منذ فبراير، على الرغم من أن الجزائر قد صرفت انتباهها عن الاحتجاجات الجماهيرية داخل ترابها، التي أجبرت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة، فإن الحكومة الجزائرية قامت بتغييرات على تشكيلة  الوفد الجزائري  الذي قاد محادثات السلام. ففي أي بلد، فقط القيادة الآمنة نسبياً هي التي يمكنها تحمل المخاطر الكامنة في تقديم التنازلات اللازمة لعملية السلام. لذا إلى أن تستقر السياسة الجزائرية، فأنت غير قادر على الانخراط في عملية إحلال السلام بسبب الاضطرابات الداخلية، ومع ذلك لديك طرف قوي يمكنه تسهيل الحوار بجد للغاية.. وهذا هو الولايات المتحدة الأمريكية.

قدم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، هورست كولر، الشهر الماضي، استقالته لأسباب صحية. لقد أحدث طاقة حقيقية وتركيزًا في المحادثات. ويبدو أن جميع الأطراف قد فقدت صبرها على الأمم المتحدة بسبب فشلها في حل الجمود الطويل الذي يسم الملف، وربما تكون استقالة كولر بمثابة ضربة للجهود الأمريكية لتسريع المحادثات.

على الرغم، وربما بسبب هذين التعقيدين الذي لاحظناهما، هل هناك أي أفكار حول عملية السلام في الصحراء؟

من السهل فهم هذه التغييرات على أنها انتكاسات، وعندما تتم إعاقة عمليات التفاوض الرسمية، يمكننا التراجع عن الآليات الرسمية التي قد تثبت فعاليتها على المدى الطويل. قد يكون هذا شكلًا  آخر لما نسميه دبلوماسية "المسار الثاني". بدلاً من متابعة الحوار بين المسؤولين الحكوميين أو الممثلين الدبلوماسيين، كما هو الحال في محادثات السلام الرسمية، تجمع دبلوماسية المسار الثاني بين مجموعات غير رسمية من صراع مختلف الأطراف، غالبًا ما تكون لديها معرفة أكثر حميمية بديناميات الصراع ومشاعر الجمهور على الأرض. يمكن أن يشمل هؤلاء المشاركون المثقفين وقادة المجتمع المدني وممثلي المجتمع أو الدينيين وغيرهم من القواعد الشعبية. يمكن أن تشمل المسؤولين المتقاعدين الذين يمكنهم المساعدة في تغذية التطورات من عملية المسار الثاني إلى الدوائر الرسمية.

في الواقع، يمكن لعمليات المسار الثاني أن تعزز محادثات السلام الرسمية في أي صراع. يمكن للمشاركين متابعة مجموعة واسعة من الأفكار الإبداعية لإحلال السلام، كما أن الخبرة والبحوث تظهر، أيضا أن أي عملية سلام لايمكن أن تنجح إلا عندما يتم على نطاق واسع، وتوسيع قاعدة المسار الثاني لعمليات توسيع قاعدة إحلال السلام من خلال إعطاء صوت للأطراف من المجتمع تم  استبعادها تاريخيا من عمليات السلام الرسمية، وتشمل النساء والأقليات والشباب واللاجئين.

في حالة الصحراء، هناك تقارب في العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في عمل المسار الثاني. تبدو الولايات المتحدة ثابتة في رغبتها في رؤية تقدم يمكن أن ينهي الجمود الطويل في هذا النزاع مع ذلك، من المرجح أن تأخذ الاضطرابات في الجزائر وقتا مهما، وعلى الأمم المتحدة الآن أن تبحث عن مبعوث جديد. وهذه التحديات تجعل من الأهمية بمكان أن نستمر في تكريس الطاقة والاهتمام بالصراع، باستخدام كل الآليات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى