الرياضةسلايدر

مقاطعة الالتراس للديربي المغربي: أي إشارات

بقلم: ياسين المصلوحي

خلقت مقاطعة “الإلترات” المشجعة لفريقي الرجاء والوداد البيضاويين لمباراة الديربي، برسم الجولة 26 من البطولة الوطنية لكرة القدم، الحدث أكثر مما خلقته المباراة في حد ذاتها، ولا مناسبة افتتاح ملعب محمد الخامس بعدما تم إغلاقه للإصلاح لشهور عديدة. وقد خلفت هذه المقاطعة ردود أفعال عديدة، خصوصاً وأنه لأول مرة في تاريخ الديربي يتم توزيع تذاكر ولوج مشاهدة المباراة بالمجان، مما يطرح تساؤلات عن العائدات المادية من عملية بيع التذاكر التي يفترض أن يستفيد منها الفريق المستضيف.

وبمجرد إعلان فصائل “الإلترات” المساندة للفريقين البيضاويين مقاطعتهما للديربي، لأسباب متعددة من بينها احتجاجهم على ترحيل الديربي عن مدينة الدار البيضاء لعدة سنوات نحو مدن طنجة، مراكش وأكادير، ولعبه أحياناً دون جمهور وفي توقيت لا يناسب قيمة المباراة، وسط الأسبوع وخلال ساعات الزوال من النهار، إضافة إلى احتجاجهم على منع تنقل الجماهير خارج الدار البيضاء لمساندة فرقهم، بل حتى بعض الملاعب لا يقبل مسؤولوها بإجراء مقابلات الرجاء أو الوداد إلا بمدرجات فارغة لدواعٍ أمنية.

بعد هذا الإعلان، خرجت أصوات عديدة، خصوصاً في الجانب الإعلامي الرياضي، تدعو الجماهير إلى الحضور للملعب، ونُظمت حملات وبرامج متنوعة في هذا الباب للترويج لهذا اللقاء، وحاولت إعادة التوهج له، وصلت حد استجداء العطف واللعب على وتر الوطنية. وهو ما زاد الطين بلة عندما تم ربط حضور هذا اللقاء لافتتاح المركب الرياضي بالحس الوطني، واعتباره مؤشراً للروح الوطنية، ما أثار حفيظة الجماهير المقاطعة، وزاد من مستوى استفزازها، كما لو أن من أعلن صراحة عن مقاطعته فهو خائن للوطن ولا يتسم بالروح الوطنية، مما أعطى نتيجة عكسية.

لطالما كانت الجماهير هي البهارات التي تزيد من جمالية أي مباراة، كيفما كانت، وتزداد قيمتها إذا تعلق الأمر بمباراة الديربي أو الكلاسيكو، وما يرافقه من “تيفوهات” إبداعية وأجواء حماسية واحتفالية تشد إليها الأنظار في المدرجات أحياناً أكثر من المستطيل الأخضر. ولنا في ديربي ربع نهائي كأس العرب نهاية سنة 2019 خير مثال، من خلال اللوحات الفنية التي تزينت بها مدرجات “ستاد دونور”.
لقد تحولت الجماهير من مجرد أفراد يشاهدون مباراة في كرة القدم، إلى هيكل منظم في إطار “الإلترات”، التي أخذت على عاتقها تنظيم الجمهور وتأطيره، سواء داخل المدرجات أو خارجها، وتحاول نقل رسائل اجتماعية وسياسية ورياضية عبر المنبر الذي يوفره لها الملعب. فقد تغنت الجماهير، إلى جانب حبها لفرقها، بقضية الصحراء المغربية، والقضية الفلسطينية، وقضايا التعليم، وشجبت غلاء الأسعار، وغيرها من القضايا التي تلامسها أغلب جماهير الفرق الوطنية.

هذا الوضع الجديد للجماهير يتطلب من المسؤولين على الشأن الكروي في البلاد أن ينصتوا لنبضها، ويجلسوا معها في إطار مقاربة تشاورية تشاركية. والأفضل لهم أن يكون هناك جهاز منظم للجماهير يتم الحوار معه، على أن تكون الجماهير فوضوية دون قيادة تمثلها، عوض نهج سياسة الآذان الصماء، التي غالباً ما تؤدي لكوارث تتحمل تبعاتها قوات الأمن، التي تدخل في مواجهات مباشرة مع الجماهير، خصوصاً بعد قانون 09.09.

فالعنف لا يولّد إلا عنفاً مضاداً، وقد تبين بالملموس أن كرة القدم الوطنية في حاجة ماسة لجماهيرها، وهي أكبر سفير للرياضة، ومسوق لجودتها. فلا ينكر أحد الدور المحوري الذي لعبته الجماهير للتعريف بكرة القدم الوطنية في الأوساط العالمية، خصوصاً مع الانفتاح الرقمي الذي سلّط الضوء على مجهودات الجماهير وإبداعاتهم لتشجيع فرقهم.

فالواجب على المسؤولين التقاط الرسائل، واستخلاص العبر والدروس من هذا السلوك الرمزي الذي عبّرت عنه الجماهير، وعدم التعنت معها أو محاولة معاقبتها عليه. واعتباره ناقوس خطر دقته الجماهير من أجل الإصغاء إليها، وأخذ آرائها بعين الاعتبار في الخارطة الكروية، فلا يمكن تأليف مسرحية والتدرّب عليها من أجل عرضها على مقاعد مسرح فارغ من الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى