الدين والحياة

مهارات إدارية وعلمية في القرآن الكريم

من خصائص القرآن الكريم أنه يُعلِّم اﻹنسان، ويُوجِّهُه إلى غاية الكمال الإنساني، ويُكسِبُه أساليبَ ومهاراتٍ تنظم حياته وتفكيره، وقد وفَّق الله سبحانه لاستنباط بعض المفاهيم في هذا الباب المهم من العلم، أعرضه في اﻵتي:

1- قال تعالى: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾ [النمل: 20].
درس جميل في الإدارة، نبي الله سليمان عليه السلام يتفقَّد الطير؛ ﻷنها تقع ضمن مسؤوليته، فماذا نحن فاعلون تجاه أبنائنا وطلابنا، ومَن يقع ضمن مسؤولياتنا؟

2-‏ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].
من قواعد اﻹدارة الناجحة عدمُ الاختلاف، وقد أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم، فقال لمعاذ وأبي موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوَعَا ولا تختلفَا))؛ متفق عليه.

قال الإمام البخاري: باب ما يُكرَه من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة مَن عصى إمامه، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]، قال قتادة: "الريح الحرب".

وقال الإمام النووي: "غالِب المصالح لا يتمُّ إلا بالاتفاق، ومتى حصل الاختلاف فات".

3- مهارة الحوار:
قال الله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].

"لَمَّا ذكر الله كلام خَوْلة سماه جدلًا، ولكن لَمَّا كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وخولة سماه حوارًا؛ تغليبًا لجانب النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1].

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحاور، بينما خولة كانت تجادل، وقد أخطأ مَن سوَّى بين الجدل والحوار استدلالًا بهذه الآية".

ويبدو أن الجدلَ طبعٌ من طباع كثير من النساء، وقديمًا قال أحد السلف: المرأةُ كلما جادلتها جادلتك، ومِن هنا نفهم سرًّا من أسرار تسمية هذه السورة بـ"المجادلة".

• وفي قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1]، تعليمٌ للمرأة بطريقِ الإشارة، وتربيتها بلطفٍ، أن تبتعد عن الجدل، وأن تستخدم أسلوب الحوار، اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام.

إن الجدال أسلوب عقيمٌ لا يُنتِج، أما الحوار، فهو يصدرُ عن نفس هادئة مطمئنة، متحرِّية للحق، طالبة للصواب؛ ولهذا كانت له نتائجُ باهرة، ومصداق ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1]، فما أجمل الحوارَ مع زوجة وولد وصديق!

4- قال الله تعالى: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1].
وصدق مَن قال: "ما أعجب شأن القلم؛ يشربُ ظلمة، ويلفظ نورًا"!
وقد كُتِبت هذه الحكمة على لوحةٍ في منزلٍ أندلسي بقرطبة، وهي لابن بردٍ الأصغر بالعربية.
القلمُ أساس الحضارة، وهذا هو السر في التقدم الذي شاهَدناه في ربوع اﻷندلس، وكم خسِر العالَم من صفاء وإخاء، وسعادة وطمأنينة، وأمن وإيمان، وحضارة وتمدُّن، بعد أن أخرَجونا من اﻷندلس.

5- موسى عليه السلام لَمَّا تواضع للخضر في طلب الرشاد، نال المراد، ولَمَّا وقعت المنازعة، حصلت المفارقة، وإليها إشارة النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا)).

6- الحرص على العلم فضيلةٌ، مهما كانت مشقته، ومهما بذل من زمن في سبيل الوصول إليه.
إن موسى عليه السلام هو أحد أُولي العزم من الرسل، وقد وصل الغايةَ في العلم والعمل، ومع ذلك كان حريصًا على العلم، والرحلة في طلبه، فهو يقول: ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]؛ أي: لا أزال سائرًا – ولو أمضيت زمنًا طويلًا – في سبيل الوصول إلى بُغْيتي في لقاء الرجل الصالح.

‏قلت: فكيف لو كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فماذا سيقولُ؟

ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه: ((والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًّا، ما وسِعه إلا أن يتبعني))، وهي شهادة نبوية لحرصِ موسى عليه السلام على العلم، ودعوة للأمَّة أن تقتدي به في ذلك.

7- العلم ليس لطلبِه نهايةٌ، قال الله تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66].

قال التابعي الجليل قتادة: "لو كان أحدٌ منا مكتفيًا من العلم، لاكتفى نبيُّ الله موسى عليه السلام".

8- حين أوى الفتيةُ إلى الكهف، قالوا: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10]. 
وحين خاطب الله نبيَّه محمدًا قال له: ﴿ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 24]، وحين بلغ موسى الرجلَ الصالح لم يطلب منه إلا أمرًا واحدًا، هو: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]، فإذا وهَبَك الله الرشد، فقد أوتيت خيرًا عظيمًا.

9- لم يَرِدْ في القرآن الكريم اﻷمرُ بالزيادة إلا في موضع واحد؛ هو: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: ((وعلِّمني ما ينفعني، وزِدْني علمًا)).

10 – من مهارات التعلم:
الصبر على العلم؛ قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام مع الخضر: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ [الكهف: 69]، والامتثال لتوجيهات المعلم؛ قال تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿ وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 − عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى