الدين والحياة

المكي الناصري: علامة الجمع بين التأصيل والتحديث

الدار/ خاص

يُعتبر الراحل المكي الناصري من رموز الحركة الوطنية المغربية، سفير المغرب بليبيا ووزير سابق للأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة، ورئيسا للمجلس العلمي بولاية الرباط وسلا، ولو إن اشتهر لدى جيل السبعينات من القرن الماضي والأجيال اللاحقة ببرنامجه الشهير الذي يُفسر فيه القرآن الكريم، والذي كان تبثه الإذاعة الوطنية حينها، في فرتتي الصباح والمساء، قبل أن يُصبح اليوم من الكنوز التراثية التي تبثها إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم.
ومعلوم أن الشيخ الناصري نشأ في بيت دين وتخرج على أهم شيوخ العلم في وقته، وقد كان استقباله للمرحلة الجامعية سنة 1932 على يد ثلة من كبار العلماء استفاد منهم وتأثر بهم واهتدى بهديهم، منهم من المغرب الأستاذ الحافظ أبو شعيب الدكالي، والشيخ محمد المدني بن الحسني، والحاج محمد الناصري، والشيخ محمد بن عبد السلام السائح، ومن الشرق العربي الأستاذ مصطفى عبد الرزاق، والأساتذة منصور فهمي، وعبد الحميد العبادي، وعبد الوهاب عزام، ويوسف كرم، وغيرهم. وتتلمذ أيضا على أساتذة غربيين؛ منهم المستشرقان الإيطاليان نللينو، وجويدي، والمستشرقان الألمانيان ليتمان وبرجستراسر، والفيلسوف أندري لالاند.
وساهمت هذه التنشئة قي التأثير الإيجابي على خطاب ومشروع المكي الناصري، ولذلك لم يكن تفسيره للقرآن الكريم تفسيرا إيديولوجيا، هدفه خلق الفتن وشيطنة البلاد والعباد، أو إقامة :"دولة الخلافة" وما جاور ذلك الخطاب الذي سنعاينه مع مجموعة من الجماعات الإسلامية في المنطقة.
جمع الراحل بين مسيرة سياسية ومسيرة علمية: فأما الأولى، فقد ساهم في تأسيس "الرابطة المغربية" السابقة لكتلة العمل الوطني وهي أول هيئة سرية لمقاومة الاحتلال، وكان أول أمين عام لها وكان ذلك سنة 192، وسنه آنذاك لا يتجاوز الخامسة عشر، وجادت هذه البداية الوطنية المبكرة بثمارها فلم تكد تمر مدة زمنية قصيرة حتى ألف كتابه الأول "إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة"، وكانت تلك هي البداية لينطلق بنشاطه عضوا مؤسسا وعاملا في "جمعية أنصار الحقيقة" سنة 1925. وقد ظل متنقلا بين البلدان الأوروبية مدافعا عن استقلال المغرب مطالبا المحتل بالرحيل إلى سنة 1934 حيث قفل راجعا إلى المغرب.
وأما الثانية، فقد عرفت سنوات العشرينات القرن العشرين نشاطا فكريا تجلى في قيام منازعات فكرية كبيرة، من أبرزها الضجة التي أثارها كتيب للمكي الناصري عنوانه إظهار الحقيقة في علاج الخليقة الذي أصدره سنة 1925. ومباشرة بعد الاستقلال، شغل المكي الناصري أستاذا بالجامعة المغربية سنة 1960 وبدار الحديث الحسنية 21 نوفمبر 1964. قبل أن يُصبح عضوا بأكاديمية المملكة المغربية في عام 1981. كما انتخبه علماء المغرب بالإجماع أمينا عاما لرابطتهم في مؤتمرهم الاستثنائي المنعقد بطنجة يوم 28 أكتوبر 1989 خلفا لأمينها العام الأستاذ الراحل عبد الله كنون. وقد وسمه الملك بوسام العرش تقديرا لعمله بليبيا وبعمالة أغادير كما وسمه بوسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة تقديرا لجهوده العلمية والثقافية.
من أهم مميزات الراحل المكي الناصري، أنه أبدع في الجمع التأصيل والتحديث في الخطاب، بدليل إنه كان من بين القلائل الذين كان الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، يستأنس باستشارتهم في أمور دينية ودنيوية، ومرد ذلك عدة أسباب، أهمها سعة أفقه المعرفي، ولعه بالقانون لا يضاهيه إلا الإصرار على تماسك الشخصية المغربية، وكان يجد في اجتهادات الشيخ الناصري ما يعزز هذا التوجه.
ومعروف عنه أيضا أنه كان أحد الذين هندسوا الدروس الحسنية التي تلقى في شهر رمضان الفضيل، خصوصا في مرحلتها الأولى، وهي الظاهرة التي تعتبر حالة فريدة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، حيث كانت قبلة لتنافس العلماء، المغاربة والمشارقة، وتعتبر دروسه، إلى جانب العالمين علال الفاسي وعبد الله كنون، من بين مرجعيات هامة في بلورة مفاهيم إسلامية متقدمة.
للناصري الكثير من الأبحاث والمؤلفات، نذكر منها: التيسير في أحاديث التفسير، وهو في الأصل تفسير بثه الشيخ عن طريق الإذاعة الوطنية، ثم جمعه وضمه في كتاب مستقل وطبع في دار الغرب الإسلامي في ست مجلدات، و"إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة"، وهي رسالة ضد الخرافات والبدع، و"حياة سقراط زعيم الفلاسفة وأبو الفلسفة القديمة"، و"حرب صليبية في مراكش"، و"فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى"، و"وصايا دينية من ملوك الدولة"، و"الأحباش الإسلامية في المملكة المغربية"، "موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية""، و"مطالب الشعب المغربي"، "ظام الفتوى في الشريعة والفقه"، وغيرها من الكتب والمقالات الصحفية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + 15 =

زر الذهاب إلى الأعلى