جدل.. الإسلام في ألمانيا بين الرفض والقبول
الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز
تعتبر ألمانيا واحدة من أهم الدول التي شهدت تدفقا كبيرا لموجات المهاجرين، الذين اتخذوا من ألمانيا الوجهة الأساسية، والملاذ الذي يحتمون به من ويلات الحرب، ولأن معظم المهاجرين ينحدرون من الدول العربية المسلمة، فقد أصبح الإسلام جزء لا يتجزء من المجتمع الألماني، الأمر الذي انعكس على الجانب الإبداعي للكتاب والروائيين الذين يهتمون في كتاباتهم بالقضايا التي تهم المجتمع الألماني.
الإسلام جزء من الهوية الألمانية
"كونك ألمانيًا تصبح مسلمًا – العِرق والدين واعتناق الإسلام في أوروبا الجديدة"، هذا هو عنوان الكتاب الذي يعتبر من للإصدارات الحديثة، والذي يركز على موضوع الإسلام في المجتمع الألماني، و الكتاب من تأليف إسراء أويوريك الأنثربولوجية التركية، التي سلطت الضوء في هذا الكتاب على إحدى كبريات التساؤلات التي أصبحت تؤرق المهتمين، وهو التساؤل المتمثل في : هل أصبح الإسلام جزء من هوية المجتمع الألماني؟.
ارتباطا بالآراء التي تؤكد أن الإسلام لا يتوافق مع قيم المجتمع الغربي، فقد اتسعت مساحة التخوفات من انتشار الإسلام، الأمر الذي يحدث مجموعة من التأثيرات السلبية داخل المجتمع الألماني، خصوصا وأنه يعتبر سببا رئيسيا يحد من التعايش والتسامح مع الآخرين، إذ تؤكد الكاتبة في هذا الصدد أن المبعث الأساسي لهذا الخوف مرده بالأساس إلى انتشار النزعات العنصرية، ونبذ الآخر المختلف عقائديا، وهو الأمر الذي يفضي في النهاية إلى السقوط في الإسلاموفوبيا، أي الخوف من الإسلام.
الخوف من الآخر يعيق الاندماج
وتشير الكاتبة في مؤلفها، إلى أن الخوف من الآخر يفضي إلى العديد من المشاكل خصوصا وأن المواطنين الألمان الذي يعادون الآخر المختلف دينيا وعقائديا، يهمل الجانب الأساسي المتمثل في ضرورة تقدير الآخر واحترامه بالرغم من كونه مختلفا، ويركزون على ضرورة محاربته، وشل حركته وحريته داخل المجتمع الألماني.
ولا يفوت الكاتبة أن تؤكد على أن الإسلام بالفعل يعتبر حقيقة لا يمكن إنكارها، خصوصا وأنه انتشر على نطاق واسع في المجتمع الألماني، مشيرة إلى أن هذا الأمر لا يجب أن يشكل عائقا أمام الاندماج بل على العكس، وجب استغلال هذه التعددية الدينية في أفق خلق التعايش، خصوصا وأن المسلمين تمكنوا من المساهمة في إغناء المجتمع الألماني بعدما تمكنوا من اقتحام سوق الشغل والعمل على تجاوز التحديات والمعيقات التي تعترض حياتهم في البلد المستقبل.
الإسلام ليس طائفة دينية بألمانيا
في السياق ذاته تشير الكاتبة في مؤلفها أنه لا يجب أن يزل النظر قائما إلى الإسلام على أساس أنه طائفة دينية أخذت في الانتشار، بل على العكس وجب العمل على الانفتاح على المسلمين اعتبارا لكونهم أصبحوا يعبرون عن السلوك الحضاري المتمثل في الاندماج والتعايش، مؤكدة أن نبذ التطرف والتعصب الديني هو الأمر الكفيل بتجاوز الاضطرابات التي تهدد الاستقرار داخل المجتمع الألماني.
مضيفة أن اعتناق الألمان للإسلام لا يعتبر ظاهرة حديثة العهد في الفترة الأخيرة، ومن ثم فلا يرتبط انتشار الإسلام بموجات اللاجئين التي تحج إلى المجتمع الألماني، بل الأمر قديم قدم التاريخ والحضارات أللإنسانية المتعاقبة، ومن ثم فإن الموجات المتعاقبة من الهجرات على المجتمع الألماني تعتبر بريئة من انتشار الإسلام في المجتمع.
أما عن الأسباب التي تفضي إلى انتشار اللإسلام، فتقول الباحثة إن معظم الدراسات التي قامت بها أكدت أن من أبرز العوامل التي تفسر اعتناق الألمان للإسلام هي العلاقة المطولة والعميقة مع أحد الأشخاص المسلمين، الأمر الذي يدل على أن الانطباع الذي يتركه المسلمون في الأحياء التي يقطنونها، أو أماكن عملهم هي انطباعات إيجابية، الأمر الذي يبرر انتشار الإسلام بطريقة رضائية لا نكره أحدا على اعتناق الدين، إنما تؤدي إلى ذلك عن طيب خاطر.
"ألمانيا مسلمة جزئيًا منذ زمن طويل، والمسلمون منذ زمن طويل ألمان".
"فعلى سبيل المثال لقد كان البعض في السابق مسيحيين متديِّنين، ولم يكن دينهم السابق يحقِّق لهم ما يكفيهم. ومن ناحية أخرى كان الإسلام بالنسبة للآخرين أوَّل دين يهتمون به اهتمامًا مكثَّفًا. وبالتالي فإنَّ دوافع التحوُّلات متنوعة. وبالإضافة إلى ذلك لقد قابلت أشخاصًا اعتنقوا اليهودية أيضًا. وكانت لديهم دوافع مشابهة جدًا"، تقول الباحثة في إحدى فقرات كتابها.
ومن أقوى العبارات التي ختمت بها الكاتبة مؤلفها تأكيدها على أن، كما أنَّ هذه المجتمعات الإسلامية سوف تستمر أيضًا في تأثيرها في بيئتها، سواء على الصعيد المحلي والإقليمي أو العالمي. ولكن مع ذلك فأنا "لا أتوقَّع في هذا الصدد أية تغييرات كبيرة، بصرف النظر عمَّا يدَّعيه السياسيون اليمينيون: وذلك لأنَّ وجود المسلمين في المجتمع الألماني متوازنٌ. ألمانيا مسلمة جزئيًا منذ زمن طويل، والمسلمون منذ زمن طويل ألمان".