المغرب إسرائيل، استئناف لاتصال سابق
بقلم : ياسر لحرش
قبل الشروع في حيثيات هذا المقال نقف عند مصطلح أصبح شأنه عالي في الآونة الأخيرة، وهو مصطلح “التطبيع” بحيث كما يعرفه الجميع بذلك العمل الشنيع والمرفوض و المرتبط بالخيانة، مدام هذا المصطلح نسمعه الا عندما تكون دولة إسرائيل طرفا في هذا العمل، فأدا اردنا أن نعطي مفهوم لهذا المصطلح من زاوية حقل السياسة ، فيمكن أن نقول عنه هو تطبيع للعلاقات بعد فترة من التوتر أو التمزق لأي سبب من الأسباب، حيت تعود العلاقات الى طبيعتها كما لو لم يكن أي خلاف سابق، وقد يكون التطبيع على شكل اطلاق مشاريع و اتفاقيات و مبادرات مشتركة بين الطرفين وابراز الطاقات الثقافية والفنية و العلمية و الإنسانية بصورة متبادلة.
تاريخ العلاقات المغربية الإسرائيلية:
أما فيما يخص العلاقات بين المغرب و إسرائيل فهي تعود الى سنوات مضت، فمنذ عهد السلطان محمد الخامس الذي عمل على حماية اليهود المغاربة أنداك من مضايقات السلطات الفرنسية، بعدما أنشئت حكومة “فيشي” مراكز اعتقال في مستعمراتها الافريقية، اذ اعتلقت بعض اليهود الأصليين في شمال افريقيا.
وسار الملك الراحل الحسن الثاني على خطى والده، حيث استطاع موازنة علاقته بين فلسطين وإسرائيل خلال فترة سياسية متوترة، اعتبارا لكون الحسن الثاني كان يرأس لجنة القدس، ويحافظ في الوقت ذاته على جسور التواصل مع الإسرائيليين، ففترة حكم الملك الحسن الثاني شهدت مجموعة من الوقائع تخص الدول الثلاث.
وفي سنة 1986 استقبل العاهل المغربي رئيس الوزراء الإسرائيلي “شمعون بيريز” في محاولة منه لتعزيز عملية السلام بالشرق الأوسط من خلال بوابة المغرب، وهو ما خلّف سخطاً عربيا وقتئذ، لكن الملك ردّ على الانتقادات بقوله: “لم يُذكر في مقررات فاس أن الاتصال بإسرائيل حرام”.
وكان للملك الراحل، حسب مصادر تاريخية، دور مهم في توقيع اتفاقية أوسلو للسلام سنة 1993، مبرزة أن مفاوضات السلام الأولي التي شهدها الشرق الأوسط انطلقت من مكتب الحسن الثاني، الذي عمل على الدفاع عن قضية الفلسطينيين على الدوام، بالموازاة مع حفاظه على العلاقات التاريخية مع المكون اليهودي.
وعرفت سنة 1994 تطور في العلاقات بين البلدين، من خلال افتتاح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط، وبعدها بسنتين فتحت الرباط مكتب مماثل في تل أبيب.
اما بالنسبة لفترة حكم الملك محمد السادس، رجعت العلاقة المغربية الإسرائيلية الى نقطة الصفر، بعدما أعلن المغرب عن إغلاق مكتب الاتصال المغربي في إسرائيل، والمكتب الإسرائيلي في الرباط، ردا على القمع الإسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية الثانية سنة 2000، وإعلان الحكومة الإسرائيلية وقف عملية السلام مع الجانب الفلسطيني.
وفي 10 دجنبر 2020 أعلن المغرب اعتزامه استئناف الاتصالات الرسمية و العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين بما يدعم الاستقرار في المنطقة.
ويعتبر الفلسطينيون هذه الخطوات نقضًا لعهود قطعتها دول عربية بعدم إقامة علاقات مع إسرائيل حتى قيام دولة فلسطينية.
لكن العاهل المغربي قال إن هذه الإجراءات لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على موقف المغرب الثابت من القضية الفلسطينية العادلة، بالإضافة الى الاتصال الدي ربط بين الملك محمد السادس و الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” الذي طمأنه فيه بأنه لن يتراجع أبدا عن دوره في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مؤكدا دعمه لحل قيام الدولتين.
القضية المغربية الأولى:
لقد نجحت الحركات الإسلامية في العالم في تسويق القضية الفلسطينية على أنها قضية الأمة، وأن القضايا الوطنية مجرد قضايا ثانوية لا ترقى إلى القضية الأم، بحكم أنها ثاني القبلتين وثالث الحرمين وأنها أرض مسرى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، والحقيقة أن القضية الفلسطينية تحمل في طياتها من ملامح القوة والمشروعية بمقدار ما تحمل من صفات القضايا العادلة أكثر من أي شيء آخر، لهذا من المنطقي جدا أن ندافع عن قضيتنا الوطنية بنفس الحماسة والتوهج تماما مثلما ندافع عن قضية فلسطين، لأنهما يشتركان معا في نفس الأسباب التي جعلتهما قضيتان جديرتان بالاستماتة في الدفاع عنهما سواء من الناحية الشرعية أو الإنسانية أو الأخلاقية.
ان المنعطف الذي دخلته قضية وحدتنا الترابية لا يمكن قراءته بمعزل عن التراكمات التاريخية التي عرفها الملف في ارتباط بالمتغيرات الجيوإستراتيجية، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وهو ما يعني التعبير بكل الوضوح الممكن عن التبني الشامل لكل ما جاء في بلاغ الديوان الملكي المتعلق بالاتصال الهاتفي الذي أجراه عاهل البلاد الملك محمد السادس بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والقضايا الراهنة التي تم التطرق إليها، في المقابل نجد “الجارة” الجزائر أصاب جنرالاتها السعار على إثر قرار المغرب استئناف العلاقات مع إسرائيل أكثر مما أصاب أصحاب القضية الفلسطينية أنفسهم، تعلم يقينا بأن الأمر لا يتعلق بالقضية لا من قريب ولا من بعيد، بل بمليارات الدولارات التي سيفطن الشعب الجزائري أخيرا إلى أن نظامه الأخرق قد أهدرها من أجل زرع الروح في كيان وهمي لن تقوم له قائمة ولو بإفراغ خزينة الشعب عن آخرها.