أخبار الدارسلايدر

صفقات وزارة العدل.. إذا كان ربّ البيت للدُّف ضاربا

الدار / افتتاحية

ما كشفه تقرير المفتشية العامة لوزارة المالية حول صفقات التجهيز الخيالية يذكرنا بأولوية الأولويات التي نحتاج إلى الانكباب عليها أكثر من أي وقت مضى. إنها معضلة الفساد وهدر المال العام وتبديده لغايات الاغتناء غير المشروع. ما معنى إنفاق أكثر من 76 مليون سنتيم لشراء طاولة للاجتماعات، أو إنفاق أكثر من 6000 درهم لشراء سلة مهملات، بينما تقل الأسعار الحقيقية لهذه المشتريات بأكثر من النصف. وكيف يسمح ويؤشر الآمر بالصرف على تخصيص هذه المبالغ لهكذا تجهيزات، بينما يمكن اقتناؤها بمخصصات تقل بكثير عن ذلك؟
كلنا يعرف أن صرف المال العام في شراء التجهيزات يمر عبر مساطر وإجراءات تنظيمية وإدارية معقدة لتحصينه من التبذير أو التلاعب. وكلنا يعرف أن التجهيزات المذكورة متوفرة في الأسواق الواقعية والافتراضية وبأسعار معلنة للجميع. ولا يمكن إذاً وصف ما حدث إلا بما جاء في المثل الدارج “على عينك أ بنعدي”. نخشى إذا أن تكون الجرأة على تضخيم الأرقام والتقديرات إيذانا بدخول مرحلة جديدة من مراحل تطور ظاهرة الفساد، وهي الاستفادة من شكليات القانون مع التحرر من كل القيود التي تضيق على الآمر بالصرف في وضع التقديرات المالية التي يشاءها أو في أحسن الأحوال شراء التجهيزات من حيث شاء وبأي ثمن أراد.
لا نريد أن نصل إلى هذه المرحلة التي سيتحدى فيها المفسدون والمتلاعبون القوانين والسلطات والمجتمع المدني والمواطنين لممارسة سلوكات تضر بالمال العام بعيدا عن أي محاسبة أو مساءلة. ومن جديد فإن تداول هذه القضية وذلك التقرير بكل معطياته الصادمة للرأي العام الغارق في تداعيات أزمة كوفيد 19 ، يعيد تذكيرنا باستعجالية التنزيل الفعلي والعملي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. هذا مبدأ لم يعد يقبل أي تأجيل. فعموم المواطنين ينتظرون رؤية المؤسسة القضائية وهي تمارس صلاحياتها في المتابعة ومحاسبة كل من تسول لهم أنفسهم الغرف من ادمال خصوصا في ظل سياق الأزمة الذي نعيشه، وتأثرت فيها موارد مئات الآلاف من الأسر وأفلست فيه الآلاف من المقاولات.
لقد وضعت الدولة أسسا للإقلاع الاقتصادي وحققت تقدما كبيرا في مجالات تشجيع الاستثمار، كما نجحت في ضبط المسألة الأمنية وتخوض اليوم إصلاحات في الكثير من القطاعات الاجتماعية وأطلقت أوراشا كبرى في مجال البنية التحتية، لكن كل هذه المنجزات تظل هشة وبدون المردود المنتظر أو الانعكاس العميق والمؤثر على المعيش اليومي للمواطنين وعلى نماء وتقدم البلاد، بسبب هذه الثغرة الهائلة التي يمثلها الفساد بكل مظاهره، وتستنزف المليارات من ثروة المغاربة، لحساب فئة محدودة وضيقة من المغاربة المنعم عليهم.
إن الحكومة الحالية والحكومات المقبلة مسؤولة عن جعل قضية مكافحة الفساد ورشا من الأوراش ذات الأولوية، التي ستكون لها نتائج باهرة وفي ظرف قياسي جدا. وللتعبير عن حسن النية بهذا الخصوص فلم يعد من المقبول بتاتا تعطيل إخراج قانون منع الإثراء غير المشروع إلى حيز الوجود، وبمقتضيات أكثر حزما وصرامة تمكن فعلا من تحصين المال العام وحمايته من الهدر والاستغلال. يجب أن تخرج هذه القضية من دائرة المزايدة السياسية أو الحزبية، وتندرج في إطار مشروع وطني يتبناه الجميع ويصبح جزء من الهم اليومي والثقافة الدائمة لعموم المغاربة. لكن الوصول إلى هذا الهدف يجب أن يبدأ بتقديم القدوة فلا يعقل أن يحدث مثل ما حدث في وزارة العدل التي يفترض أنها الحارس الأمين على اخترام القوانين، فأصبح ينطبق عليها قول الشاعر:
إذا كان رب البيت للدف ضاربا
فشيمة أهل البيت الرقص
زر الذهاب إلى الأعلى