الرأي

تطلعات وتوقعات ما بعد الخطاب الملكي.. للخروج من حالة الانتظارية

منتصر حمادة

هناك قاسم مشترك واحد على الأقل، يجمع بين مضامين البلاغ الصادر في منتصف يونيو 2019 عن وزارة القصور الملكية، والتشريفات والأوسمة، والذي وجهت فيه الدعوة إلى مختلف المؤسسات والهيآت والفعاليات الوطنية لتخليد مناسبة عيد العرش، شرط أن تكون الاحتفالات عادية، ودون أي مظاهر إضافية أو خاصة، وبين مضامين البلاغ الثاني الصادر منذ حوالي أسبوع، والذي تعلن فيه المؤسسة ذاتها أن ملك البلاد، بكل الثقل الدستوري والتاريخي، أصدر قراراً يفيد أنه لن يقام، ابتداء من هذه السنة، الحفل الرسمي بالقصر الملكي احتفاء بعيد ميلاده والذي جرت العادة إقامته يوم 21 غشت من كل سنة.

نجد هذا القاسم بشكل أوضح وإنذاري في مضامين الخطاب الملكي الأخير لعيد العرش، والذي لم يكن خطاباً عادياً، بقدر ما كان خطاب أزمة، ولولا إكراهات السياق الدولي، ومعها إكراهات التوازنات والصراعات الإقليمية والدولية، لكان الخطاب على وشك الحديث عن حالة استثناء، من هول الأزمة التي يمر منها المغرب اليوم، بإقرار ملك البلاد شخصياً، والذي إن نوه بالعديد من المنجزات الكبرى التي حققها المغرب أو منخرط في تحقيقها، إلا أنه في المقابل، استفسر عن أسباب التباين في الوضع الاجتماعي للمغاربة، إلى درجة مطالبته للمتتبعين والمحللين المغاربة بالتوقف عن ترديد شعار "العام زين"، ما دمنا أمام واقع لا يرتفع عنوانه الكبير والمزعج "فشل النموذج التنموي المغربي"، وهو الفشل الذي أكدته مضامين تقرير صادر عن مؤسسة البنك الدولي، ثلاثة أيام بعد تاريخ الخطاب الملكي.

بتعبير آخر، ما يصدر عن صناع القرار خلال الأشهر الأخيرة، وفي مقدمتهم المؤسسة الملكية، يفيد أننا نعيش مرحلة شبه استثنائية في تاريخ مرحلة "العهد الجديد"، وأننا مقبلون على تطورات و"زلازل مؤسساتية" سيكون لها ما بعدها، تطال أغلب مؤسسات الدولة، لأن الوضع المؤسساتي لا يعد يحتمل الكثير من التماطل في اللامبالاة، وخاصة مبالاة المؤسسة الحكومية، ورجال الإدارات العمومية، وغيرها من المؤسسات، ونورد هنا بضع فقرات في هذا السياق:

ــ تأكيد الخطاب أن الإنجازات الكبرى التي حققها المغرب "لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي. ذلك أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق ا لاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى".

ــ إقرار الخطاب بشكل صريح بأن النموذج التنموي المغربي فاشل في "تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية"، معلنا في هذا السياق عن قرار إحداث لجنة خاصة بهذا النموذج "تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا".

ــ توجيه الدعوة إلى الجميع بأن "نجاح المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، إلى جانب المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح هذه المرحلة".

ورُب مستفسر عن تفاعل النخبة المغربية، في السياسة والفكر والاقتصاد .. إلخ، مع مضامين الخطاب، لولا أن الجواب كان دون المستوى، ويهم على الخصوص النخبة السياسية والاقتصادية، لأنها المعنية أكثر بأولى التفاعلات، مقارنة مع النخبة الفكرية أو الدينية، ولو توقفنا عند تفاعل النخبة الحكومية مع الخطاب الملكي، سنلاحظ أنه كان على الرأي العام انتظار عشرة أيام، حتى يعاين أول تفاعل جماعي لأمناء الأحزاب الحكومية لبداية التشاور في مقتضيات الخطاب، هذا دون الحديث عن التفاعلات السلبية وغير السوية التي طالت قراءات وترجمات الخطاب في وسائل الإعلام، والصادرة عن المحللين والباحثين من جهة، وعن النخبة  السياسية والاقتصادية من جهة، حيث تبين أنه تم تمييع رسائل الخطاب الملكي، عبر انخراط أغلب هؤلاء في ما يشبه الطمأنة، وهو الخيار الذي انتقده الخطاب الملكي بشكل صريح سلفاً، مطالباً بالانخراط الجماعي في البحث عن معالم نموذج تنموي بديل، وليس الانخراط في الإصرار على رفع شعار "العام زين".

هناك أزمة بنيوية حقيقية في أداء النخبة المغربية، وبالنتيجة أزمة موازية ومتوقعة في أداء المؤسسات المغربية، وفي مقدمتها المؤسسة الحكومة، وليست التحولات أو المبادرات الصادرة عن المؤسسة الملكية خلال الأشهر الأخيرة، إلا إشارات تفيد أننا من ناحية، أمام تباين جلي في الهاجس الإصلاحي للمؤسسة الملكية مقارنة مع الهاجس الإصلاحي لباقي مؤسسات الدولة، وأننا من ناحية ثانية، مقبلون على تحولات مؤسساتية قادمة في الطريق، تهم أداء "عقل الدولة" من جهة، بمقتضى تواضع عدد رجال الدولة خلال العقد الأخير، وتهم أداء هذه المؤسسات، لأن المرحلة التي يمر منها المغرب، مرحلة حساسة، ولم تعد تحتمل المزيد من التماطل والاجترار.

وبالنتيجة، يمر المغرب خلال الأسابيع الجارية من حالة انتظارية تطال أغلب المسؤولين في الدولة بعد الخطاب الملكي، بما في ذلك النخبة الحكومية، لأنها جزء من الأزمة، هذا دون الحديث عن اللجوء المتوقع إلى تحقيقات المجلس الأعلى للحسابات، والتي بمقتضاها، من المفترض أن تكن هناك إقالات ومتابعات قضائية.

وموازاة مع هذه الانتظارية الخاصة بالنخبة، هناك انتظارية خاصة بالشارع الذي ينتظر ويتمنى أن تتدخل المؤسسة الملكية بثقلها الدستوري من أجل إيقاف النزيف الذي يطال النموذج التنموي المغربي، بإقرار البنك الدولي كما سلف الذكر.

ليس هذا وحسب، فمن الصعب إحصاء وتوقعه من ستطالهم هذه القرارات والمتابعات والإقالات، ممن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، لأن طويلة وعريضة، تدخل صناع القرار لوضع حد لذلك العبث في الاستهزاء من الرأي العام عبر جمع نفس المسؤول الحزبي بين وظيفة وزارية ووظيفة عمودية مدينة، ويتعلق الأمر هنا بثلاث حالات بالضبط، بما فيها حالة تابعة لحزب الذي يزايد على المغاربة بـ"المرجعية الإسلامية"، لأنه لا يمكن أن يبدع هؤلاء في العملين، بل نعاين في إحدى هذه الحالات، صدور ملفات عن فساد إداري ومالي دون أدنى متابعة.

هذا غيض من فيض. والكرة الآن في مرمى صناع القرار من أجل تلبية هذه التطلعات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى