خطاب الملك في ذكرى المسيرة.. يقدم صفقة تصالح تاريخية مع الجزائر
الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز
عرف الخطاب الملكي بمناسبة تخليد ذكرى المسيرة الخضراء أمس الثلاثاء، مجموعة من التفاعلات بين مختلف الفاعلين والمواطنين، الذين اعتبروا أن الخطاب تضمن العديد من المحاور الكبرى، التي كان لزاما الوقوف عندها. محللون سياسيون وأكاديميون يتحدثون لموقع" الدار" عن أبعاد الخطاب.
"العاهل المغربي وجه رسالة شجاعة وجريئة"
يقول عبد الرحمان مكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيحية والأمنية في تصريحه لميكروفون"الدار"، إن الخطاب أعاد التأكيد على حقوق المغرب التاريخية، بهدف استعادة أقاليمه الجنوبية، مشيرا أن المغرب مستعد للحوار في جميع الأمور التي تتعلق بالحلول العاجلة للشعب المغربي كالحكم الذاتي.
وأضاف أن الرسالة الشجاعة والجريئة التي تضمنها الخطاب، هي التي كانت موجهة للأشقاء في الجزائر، خصوصا أمام الوضع الذي تعيشه المنطقة وما تواجهه من تحديات ومخاطر، مشيرا أن العاهل المغربي أكد أن المغرب مستعد من أجل خلق المصالحة بين المغرب والجزائر، معتبرا أن الوقت قد حان من أجل التحلي بضمير المسؤولية بالنسبة للبلدين معا، في أفق طي الماضي وخلق آلية للتشاور والحوار في العديد من المسائل السياسية، خصوصا وأن خلق التقارب بين البلدين مع المغرب والجزائر هو السبيل للخروج من هذا المأزق، بهدف العمل المشترك على مواجهة التحديات المطروحة من قبيل البطالة والهجرة.
وأضاف عبد الرحمان في السياق ذاته أن الملك تقدم بهذا المشروع لخلق آلية مهمة، سبق وكانت سببا في توحيد أوربا في بداية الخمسينيات، وألان تعود لتوحيد شمال إفريقيا، بهدف الخروج من أزمات المجتمع العربي، وهو الأمر الذي يحتم تجاوز التوترات والمشاكل المطروحة حاليا، مشيرا أن هذا الأمر يقتضي خلق قنوات للحوار بين الأشقاء المغاربة والجزائر، وهذا الطرح الجديد كان شجاع وجريئا.
وأضاف الباحث ذاته أن هذه الدعوة الجريئة يجب أن تجد أذانا صاغية، خصوصا وأن الشعب الجزائري تواق لهذا المشروع، موضحا أن المتابعين الدوليين يتابعون هذا الطرح الجديد لإعادة التموقع الجيواستراتيجي، الأمر الذي يشكل خطوة إيجابية كبيرة تتردد في المحافل الدولية الكبيرة.
"فتح قنوات الحوار ضرورة لتسوية الخلافات"
وأضاف من جهته رشيد لزرق خبير دستوري متخصص في الشؤون البرلمانية و الحزبية في تصريحه لموقع"الدار"، أن الخطاب اتسم بثلاث مستويات، المستوى الأول، يهم فتح قنوات الحوار الثنائي مع الجزائر، لتبديد الجمود في العلاقات بين البلدين الشقيقن وفق الوضوح و المسؤولية و الاحترام المتبادل لسيادة البلدين، على أساس رؤية مدمجة واقعية من أجل إعادة العلاقات الطبيعة بين البلدين، ومناقشة كل الخلافات بشكل مباشر، في أفق تحريك الجمود في إطار عملي.
وأضاف أن المستوى الثاني فيهم الشأن الأممي، حيث اتجه الملك الي التذكير بانخراط المغرب الفاعل، والمسؤولية في التسوية الأممية، لإيجاد حل سياسي دائم و نهائي لمشكل الصحراء، على أساس مقترح الحكم الذاتي.
أما المستوى الثالث فيهم الشأن الداخلي، ويؤكد انخراط المغرب في تنزيل الجهوية الموسعة و النموذج التنموي الذي يعيد للصحراء موقعها الطبيعي كهمزة وصل نحو أفريقيا و كونها في قلب التوجه المغربي الإفريقي الذي اعتمد مقاربة تنموية بين المغرب و الأشقاء الأفارقة.
هذا واعتبر المتدخل أن الغاية من هذه المقاربة، هي تعزيز العمق الإفريقي، حيث تروم إحداث التكامل القاري، وترتكز أساسا على الدفاع عن المصالح الوطنية من خلال تقوية الجانب الاتفاقي مع الدول الإفريقية وترجمة ذلك إلى التزامات دولية، وكذلك الحرص على جانب المصداقية والمشروعية والشفافية، وسرعة التواصل، والتمسك بالمبادرات الفاعلة القابلة للتحقيق
"تضمن الخطاب الملكي مفتاح التغلب على التوتر القائم"
هذا وأضاف في السياق ذاته محمد بودن المحلل السياسي، في تصريح لموقع "الدار" أنه ثمة ثلاث خلاصات كبرى في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء:
أولا : تأكيد على المرجعيات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المبنية على مبادئ الوضوح والطموح والواقعية.
ثانيا: خطاب تاريخي متمسك بالأخوة الصادقة مع الجزائر ومبني على أرضية غير مسبوقة تتعلق باقتراح آلية سياسية للتنسيق والتشاور بين المغرب والجزائر.
ثالثا : إعادة تثبيت الثوابت فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية وفقا لما تم تحديده في خطاب الذكرى 42 للمسيرة الخضراء وإبراز أهمية هذا المعطى في إبرام الشراكات مع الدول و التكتلات الإقليمية بما فيها الاتحاد الأوروبي لأن الحق المشروع للمغرب لا يمكن تجزيئه بل يكون هو ذاته أينما كان. جاء الخطاب الملكي عقلانيا و في مستوى آمال الشعبين المغربي و الجزائري، كما انه حدد طبيعة نظرة المغرب للعلاقات المغربية _ الجزائرية،التي يجب أن تنطلق نحو المستقبل برصيدها التاريخي والشعبي والمصلحة المشتركة والدم المشترك. الخطاب الملكي تضمن تطلعات منسجمة مع دعوات عالمية للانفتاح بدل الانعزال والتكتل بدل الفردانية والتجميع بدل التفرقة والوحدة بدل الانفصال،كما انه حدد أولويات مسيرة العلاقات بين البلدين.
وأوضح أن الخطاب الملكي قدم إشارات ايجابية تستحق الاهتمام و فرصة تاريخية للعلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر والتي ظلت في الحد الأدنى من التوافق والتعاون، في ظل استمرار إغلاق الحدود الذي ينعكس على المشترك الجماعي والأمن الغذائي والعلاقات الانسانية و حجم التبادل بين البلدين ويرفع من كلفة غياب التنسيق والتشاور في الفضاء المغاربي برمته.
وأضاف بودن أنه قصد التغلب على هاته الصعوبات تضمن الخطاب الملكي مفتاحا حقيقيا للتغلب على التوتر في المنطقة، والذي يمكنه أن يصل بالمغرب الكبير وأبنائه إلى المكانة التي يستحقها، "إن جلالة الملك يريد تحقيق إنجازا كبيرا للشعبين المغربي و الجزائري وطرحه لمبادرة خاصة بعيدة عن الحساسيات القديمة، قد يؤسس لإطار جامع لجهود البلدين وإمكانيتهما وهذا يعتمد على قناعة الجزائر وتفاعلها الإيجابي وعدم ارتهانها للتغييرات المفاجئة،و هناك حاجة كذلك لخطاب جديد بعيد عن النمط التقليدي في المعالجة".
ولم يفته التأكيد على أن حرارة الخطاب الملكي قد تذيب كرة الثلج بين البلدين وتضع الشعبين أمام فرصة عظيمة، بل صفقة مصالحة تاريخية في ظل رؤية ملكية لمأسسة العلاقات المغربية الجزائرية عبر مقترح إحداث الآلية السياسية لبلورة تصور مشترك حول متطلبات التعاون وآليات تحقيقه من منطلق الحاجة الإستراتيجية المتبادلة بناء على ما سبق تم التأكيد على أن الجزائر مطالبة في هذه المرحلة بتغليب الإدراك الواقعي واستثمار الفرصة التي أعلنها جلالة الملك في خطابه والمساهمة في بناء مدخل مرحلي لترتيب جدول الأعمال المغربي _ الجزائري، ويمكن القول إن المائدة المستديرة في جنيف بشأن ملف الصحراء المغربية في 5 و6 ديسمبر القادم ستكشف عن مستوى الرغبة الجزائرية في إجراء مراجعة أو إحداث تطوير حقيقي في بنية العلاقات الثنايية المغربية الجزائرية.