إفشاء السلام
"السَّلام" هو الأمان والاطمئنان، وهو أقصى ما يتمنَّاه الإنسان، وغاية ما ترجوه البشريَّة، وقد جعله الله تحيةً لآدمَ أبي البشر؛ كما في "صحيح البخاري"، وروى الإمامُ مسلمٌ عن أبي هريرة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تَدْخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعَلْتُموه تحاببتم؟ أفشوا السَّلام بينكم».
من آداب السَّلام:
1- الالتزام بصيغةِ السَّلام الواردة عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
2- الردُّ على السَّلام: وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته؛ قال -تعالى-: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86].
3- ترك التَّحايا والسَّلامات غير الشرعيَّة، والالتزام بالسَّلام المشروع فقط؛ مثل قول: "مساء الخيرِ" وغيرها، مما فيه تشبه بالكفَّار.
4- لا يقول: عليكَ السَّلام؛ لأنَّها تحية الموتى؛ ففي "صحيح سنن أبي داود" عن أبى جُرَيٍّ الهُجَيْمِيِّ – رضي الله عنه – قال: أتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: عليكَ السَّلام يا رسول الله، قال: «لا تقل: عليك السَّلام؛ فإنَّ "عليك السَّلام" تحيةُ الموتى».
5- أن يَبدأ بالسَّلام قبل الكلام دائمًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من بدَأَكم بالكلامِ قبل السَّلام فلا تُجيبوه»؛ وقد رواه الطَّبراني، وحسَّنه الألباني.
6- أن يحرصَ كلُّ مسلم على أن يكون هو الذي يبدأ بالسَّلام؛ ففي "صحيح سنن أبي داود" قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ أولى النَّاس بالله مَن بدأهم بالسَّلام».
7- أن يكرِّرَ المسلمُ السَّلام على أخيه المسلم كلَّما تكرَّرَ لقاؤه؛ ففي "صحيح سنن أبي داود" قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا لقي أحدُكم أخاه، فلْيُسلِّمْ عليه، فإن حالت بينهما شجرةٌ أو جدار أو حجر، ثم لَقِيه، فليسلِّم عليه أيضًا».
8- أن يرفعَ صوتَه بحيث يسمع المسلّم عليه، وإذا شكَّ في أنه لم يسمعهم، فلْيَزِد في رفعِه حتى يعلم أنه أسمعهم.
9- أن يسلِّمَ على مَن في بيتِه عند الدخول، فإن لم يجد، سَلَّم على نفسِه؛ قال -تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61].
10- إذا مرَّ بصبيانٍ يسلِّمُ عليهم؛ وذلك لتعويدِهم على إلقاء السَّلام ورَدِّه، ولغرسِ نوازع الرُّجولة فيهم، كما أنَّ فيه تقويةً لشخصيتِهم، واستجلابًا لمحبتهم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله.
11- أن يسلِّمَ الماشي على الواقفِ والجالس، والواحدُ على الجماعة، والقليلُ على الكثير؛ لحديث البخاري.
12- إذا قَدِمَ جماعةٌ على فردٍ، أجزأَ أن يُسلِّمَ أحدُهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في "صحيح سنن أبي داود": « يُجْزِئ عن الجماعةِ إذا مرُّوا أن يسلِّمَ أحدُهم، ويجزئ عن الجلوسِ أن يردَّ أحدهم».
13- بشاشة الوجه، ولين الجانبِ مع السَّلام، فلا تسلِّم متجهِّمًا ولا منفِّرًا.
14- المصافحة مع السَّلام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في "صحيح سنن أبي داود": «ما من مسلمَيْن يلتقيانِ فيتصافحان، إلاَّ غُفر لهما قبل أن يفترقا»، وهذا يدخل في حُسنِ الخلق؛ كما قيل إنه: أمرٌ هين، ووجهٌ طلق، وكلامٌ لين، ولكن هذه صورة منه، جعل الله عليها هذا الثوابَ الجزيل، فينبغي على كلِّ مسلمٍ أن يحرصَ على أن يؤدِّي هذا الحقَّ من حقوقِ أخيه المسلم عليه في أكمل صورة؛ لينالَ مع أخيه المغفرة.
وروى أحمد وصحَّحه الألباني عن البَراءِ مرفوعًا: «أيما مسلمَيْن التقَيا، فأخذ أحدُهما بيدِ صاحبه، ثم حمد الله، تفرَّقا ليس بينهما خطيئة»، وقال -صلى الله عليه وسلم- في "صحيح الجامع": «إنَّ من موجباتِ المغفرةِ بذلَ السَّلام، وحُسنَ الكلامِ».
15- يكره السَّلام بالإشارةِ إلا لضرورة كبُعدٍ، لكن ينطقُ بالسَّلام مع الإشارة؛ لأنَّ فيه تشبُّهًا باليهود والنَّصارى، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تسليمِهم في الحديث الحسن عند الترمذيِّ: «ليس منَّا من تشبه بغيرِنا، لا تَشَبَّهوا باليهودِ ولا بالنَّصارى؛ فإنَّ تسليمَ اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكُفِّ».
16- أن لا يسلِّمَ على المشتغلِ بقضاء الحاجة، أو على النائم، أو على مؤذِّن في حالِ أذانه، أو إقامة الصَّلاة، أو من كانت اللُّقمة في فمِه.
17- لا يَبدأ المسلمُ الكافرَ بالسَّلام، وإذا بدأك بالسَّلامِ تردُّ عليه بقولِك: "وعليكم".
18- استحباب السَّلامِ على المَحارم.
19- ألقِ السَّلام على مَن عرَفْتَ ومن لم تعرف؛ لما رواه البخاريُّ في "صحيحه" أنَّ رجلاً سأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الإسلامِ خير؟ قال: «تطعمُ الطَّعامَ، وتقرأ السَّلامَ على من عرفتَ ومن لم تعرف».
20- لا تغضَبْ إنْ لم يردَّ أحدٌ عليك السَّلام؛ فإنَّ الملائكةَ تردُّ عليك؛ ففي الحديثِ الصحيح في "الأدب المفرَد": «إنَّ السَّلام اسمٌ من أسماء الله وضعَه الله في الأرض؛ فأفشوه بينكم، إن الرَّجلَ إذا سلم على القومِ فردُّوا عليه، كانت له عليهم فضلُ درجة؛ لأنَّه ذكَّرهم بالسَّلام، وإن لم يُرَدُّ عليه، رَدَّ عليه مَن هو خيرٌ منه وأطيب».
وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه الألباني: «أفشِ السَّلام، وأطعمِ الطَّعام، وصِلِ الأرحام، وقم بالليل والنَّاس نيام، وادخل الجنَّة بسلام».
ومن تمامِ إفشاء السَّلام: أن تسلِّمَ على من عرفتَ ومن لم تعرف كما سبق، فأين إفشاء السَّلام بين المسلمين؟! تاللهِ لقد أصبحنا نعيشُ زمانًا لا يُلقي فيه المسلمُ على أخيه المسلمِ السَّلامَ إلاَّ لمصلحةٍ دنيويَّة – إلا من رحم الله – بل نجدُ أحيانًا مسلمًا يمرُّ بجوارِ أخيه، فيسلِّم عليه، فلا يرد عليه السَّلام! بل إنَّ بعضَهم لا يسلِّم إلا على من يعرف، وهذه – مع كونِها مخالفةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهي واللهِ من أشراطِ السَّاعة الصُّغرى؛ فقد روى الإمامُ أحمد بإسنادٍ صحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ من أشراطِ الساعة أن يُسلِّمَ الرَّجلُ على الرجلِ؛ لا يسلِّمُ عليه إلا للمعرفة».
فائدة: يَتَّخذُ بعضُ النَّاس هذه الأحاديثَ في السَّلام بابًا لبدءِ غير المسلمين بالسَّلام، لكن ذلك مما يُستثنى من السَّلام، فلا يَبدأ المسلمُ غيرَ المسلم بالسَّلام، فإذا ابتَدؤوه، ردَّ عليهم سلامَهم بقوله: وعليكم؛ كما جاء بذلك الحديث.
فائدة أخرى: خاصية إفشاء السَّلام هذه عامة، ومن أفرادِها: سلامُ الرَّجلِ على أهلِه إذا دخل عليهم، وقد ورد بشأنِها دليلٌ مستقلٌّ؛ وهو ما رواه أبو داود وحسَّنه الألباني عن أبي أمامة – رضي الله عنه – أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « ثلاثة كلُّهم ضامن على الله – عزَّ وجلَّ -: رجلٌ خرج غازيًا في سبيلِ الله، فهو ضامن على الله حتَّى يتوفاه، فيُدخله الجنَّةَ، أو يردّه بما نال من أجرٍ وغنيمة، ورجلٌ راح إلى المسجدِ، فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفَّاه فيدخله الجنة، أو يَردّه بما نال من أجر وغنيمة، ورجلٌ دخل بيته بسلامٍ، فهو ضامن على الله – عزَّ وجلَّ».
وفي الحديث الذي رواه الترمذيُّ عن أنس – رضي الله عنه – وحسنه الألباني، قال: قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا بنيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فسلِّم، يَكُنْ بركةً عليك وعلى أهلِ بيتك».