الانتخابات الرئاسية: لماذا صوت الشباب التونسي بكثافة لقيس سعيّد؟
فاز أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد الأحد في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية بنسبة تجاوزت 76 بالمئة، 90 بالمئة منها من الفئة العمرية ما بين 18 و25 سنة، و84 بالمائة تتراوح بين 26 إلى 44 سنة، وفق استطلاع رأي أجرته مؤسسة "سيغما كونساي"، فيما حصل منافسه نبيل القروي على 23.1 بالمئة من الأصوات. وبخصوص المستوى التعليمي للمصوتين، انتخب 86.1 من الجامعيين قيس سعيّد. وتؤكد هذه النسب أن هذه الفئات العمرية صوتت بكثافة لصالح المرشح الفائز. فمن هم هؤلاء الشباب؟
خاض قيس سعيّد الانتخابات الرئاسية التونسية، التي أجريت دورتها الثانية الأحد، مستقلا مدعوما بمجموعة من الطلبة المتطوعين وبإمكانات محدودة، ولم يقدم برامج انتخابية لأنه "لا يريد بيع الأوهام"، ولأن "الشعب سئم الوعود الزائفة"، حسب ما جاء في أحد تصريحاته. وخاض سعيّد حملة وصفها بالتفسيرية ليمكن الشباب بوسائل قانونية من تحسين ظروف عيشهم.
فمن هم هؤلاء الشباب الذين صوتوا لقيس سعيّد؟
يقول طاهر ماجول (29 سنة) باحث في علم الاجتماع: "أنتمي إلى جيل ولد في فترة حكم بن علي، عشت في مناخ يخلو من التعددية والحرية، وكانت ثورة 2011 بالنسبة لي لحظة مهمة في تاريخ البلاد، لكنها أفرزت للأسف نخبا سياسية لم ترق إلى مستوى تطلعات الشباب وانتظاراتهم. بل ما لفت انتباهنا مع حكومات ما بعد الثورة إلا عودة الفساد بدون محاسبة، وظهور بوادر قمع من جديد بعدما استنشقنا الحرية".
قيس سعيّد يدعو الطلبة إلى أداء واجبهم الانتخابي
يرى طاهر أنه في ظل هذه الأوضاع لم يكن من الممكن إعادة انتخاب الوجوه القديمة، ومع إعلان أستاذ القانون الدستوري نيته الترشح للانتخابات الرئاسية إثر وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، قام مجموعة من الشباب بمبادرة فردية لدعم هذا المرشح، الذي لم يكن يعيش في برج عاجي وإنما هو شديد الالتصاق بالشباب منذ 2011. فساحات الاحتجاج والاعتصام ومعارض الكتب والأسواق جمعته بشبان كثر من كل أنحاء الجمهورية التونسية.
ويؤكد طاهر أن الشباب "قاموا بتكوين تنسيقيات على موقع التواصل فيس بوك بدون الرجوع إلى قيس سعيّد، وأنهم اعتمدوا على جهود فردية في عملهم الميداني لدعمه، وسائلهم في ذلك الإيمان بجدية الرجل ونظافة يده وصدقه، فهو أستاذ جامعي يحظى بنظرة إيجابية واحترام كبير وينتمي إلى الطبقة الوسطى مثل معظم الشباب التونسي".
ومثل فوز سعيّد في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنتيحة 18.4 بالمئة من الأصوات مفاجأة لهؤلاء الشباب، ما زادهم إصرارا على تحدي المنظومة السائدة ومقاومة مخططاتها وماكيناتها بموارد محدودة تعتمد على التطوع أساسا، وبمجهودات بسيطة. ويؤكد طاهر أن "الشباب وجد نفسه وجها لوجه مع المنظومة القديمة، فكان لا بد من الفوز لتحقيق أهداف الثورة وتصحيح مسارها وبناء دولة ديمقراطية". و"للأمانة كان أداء قيس سعيّد خلال المناظرة رائعا وحسم الاختيار، وكان له دور رئيسي في تعزيز الفارق في التصويت بين المرشحين".
النتائج الأولية للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في تونس
ويضيف طاهر أن "شرعية سعيّد شعبية لا ترتهن إلى الأحزاب، لذلك لا بد أن يكون على قدر انتظارات منتخبيه. لقد كبر الحلم مع وصول سعيّد إلى السلطة، ولكننا سنواصل الضغط بطرق سلمية كثيرة وسنواصل النضال من أجل دولة تحترم مواطنيها".
"الشباب الفاعل الرئيسي"
وفي قراءة للمشهد السياسي غداة فوز قيس سعيّد، يقول الأمين البوعزيزي وهو باحث جامعي في الأنثروبولوجيا، "إن الثورة التونسية هي بالأساس ثورة الشباب. فالشباب هو الفاعل الرئيسي اليوم، كما كان فاعلا في الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي والتصدي لحكومات ما بعد 14 يناير/ كانون الثاني".
وذكر البوعزيزي بأن الشباب التونسي كان مقاطعا لكل الانتخابات السابقة من 2011 إلى 2014، لأنها "كانت بعيدة عن كل جوهر اجتماعي وغارقة في مطالب سياسية"، ولكنه واصل الانخراط في أشكال الاحتجاج المختلفة. و"بما أن الديكتاتورية تسقط بالشوارع والديمقراطية تبنى بالصناديق، انتفض الشباب عبر الصناديق خلال الاستحقاق الانتخابي وغيّر من شكل الاحتجاج على المنظومة السائدة للإطاحة بها".
ومارس هؤلاء الشباب المواطنة الرقمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مع التعويل على الذات بدون حاجة إلى وصاية تنظيمية أو حزبية وبدون أدلجة، حتى أنه "يمكن القول إن 90 في المئة من هؤلاء الشباب لم ينتخبوا سعيّد لبرنامجه بل انتخبوا شخصا رأوا فيه الجدية والصدق والفصاحة فانحازوا له واختاروه". ويتابع أن "فوز سعيّد صنعه شباب لا يعرفهم معرفة شخصية وإنما يعرفونه افتراضيا. وانتقل الشباب من تصويت عقابي للمنظومة القائمة إلى مرحلة تصويت تثميني، عبر التعبئة لصالح مرشحهم".
ولا شك أن فوز سعيّد بدعم فئة عريضة من الشباب سيخلط أوراق الأحزاب جميعها، و"لن يكون تشكيل الحكومة والتحالفات ورديا"، وفق تحليل الباحث الأمين البوعزيزي، "لأن الثورة وضعت كل من الأحزاب والرؤساء تحت رقابة من انتخبها من الشباب".